محمد صادق جراديعتقد البعض ان تحقيق الديمقراطية متوقف على سقوط النظام الدكتاتوري الحاكم، وبمجرد إسقاط الصنم ستتحقق الأحلام التي يتطلع إليها الشعب المتعطش للحرية والديمقراطية عبر عقود من العبودية والاستبداد .إلا إن الحقيقة غير ذلك، فالمرحلة الانتقالية هي الأصعب في حياة الشعوب وما حصل في العراق خير دليل على ذلك، أما المشهد العربي فبعد ان شهدنا تساقط رموز الدكتاتورية في تونس ومصر وبينما ننتظر تساقط الآخرين تأتي ظاهرة استقالة رؤساء الحكومات المؤقتة التي تشكلت بعد سقوط الأنظمة .
فبعد استقالة الغنوشي بالأمس القريب تحت ضغوطات جماهيرية وربما جهات أخرى لا يجرؤ أحد على تسميتها تأتي استقالة أحمد شفيق التي قبلها المجلس العسكري ليعين بدله السيد عصام شرف باعتباره أكثر قبولاً في الشارع المصري الذي رفض البعض من الشخصيات التي يعدها الشعب من بقايا نظام مبارك وخاصة وزراء العدل والداخلية والخارجية .وربما نتفق جميعاً على نجاح الثورات الشعبية في إسقاط الأنظمة في مصر وتونس إلا ان إسقاط النظام ليس سوى الخطوة الأولى، وعلينا ان نتساءل هنا ماذا بعد إسقاط النظام ؟ بالتأكيد إن الأنظمة الشمولية حينما تسقط فإن البديل لن يكون الديمقراطية لأن تلك الأنظمة ستخلف موروثاً يحتاج الى مرحلة انتقالية تعمل القوى الثورية خلالها على بناء دعائم نظام ديمقراطي ناشئ قليل الخبرة يحتاج إلى تعاون جميع أبناء الوطن، في الوقت الذي تعيش هذه الدول صراعات بين أبنائها بدأت فور سقوط الأنظمة تحت مسميات جديدة خلقت عدواً جديداً اسمه أعوان وأزلام النظام المباد والذين يشكلون كتلة لا يستهان بها من مكونات الشعب . وما يؤيد هذا الكلام رفض الشباب المصري تولّي أي شخصية مقربة من النظام السابق في الحكومة الانتقالية ومقترح تشكيل مجلس تأسيسي في تونس عقب استقالة الغنوشي، ومع تشكيل هذا المجلس ستبدأ مطالبات بمحاسبة أعضاء الحزب الدستوري الحاكم ومصادرة أموالهم وربما محاكمتهم، علما بان قوام أعضاء هذا الحزب في تونس يشكل 2 مليون مواطن من أصل 10 ملايين نسمة أي ما يعادل 20 % من عدد السكان، وبالتأكيد سيتم فصلهم من وظائفهم وهكذا ستضمن الديمقراطية في تونس كتلة كبيرة معادية للعملية السياسية الجديدة، وهذا يذكرنا بما حدث في العراق بعد سقوط الدكتاتور عندما تم تأسيس هيئة اجتثاث البعث التي نادت بنفس ما ينادي به اليوم المجلس التأسيسي التونسي إلاّ أن العراق دفع ثمن ذلك غالياً لأنه ساهم في خلق عدو للتجربة الديمقراطية اضطر أخيراً للتنازل وإعطائه فرصة جديدة وتغيير هيئة اجتثاث البعث بهيئة المساءلة والعدالة التي لا تحاسب الشخص لأنه ينتمي للحزب الحاكم إنما لارتكابه جرائم فقط . إذن الوضع الراهن يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتوافق الوطني لتجاوز مرحلة الفوضى التي تعيشها البلدان لكي تتمكن من معالجة الموروث الثقيل والذي أبرز ما فيه هو الدستور الذي وضعه النظام السابق بما يتوافق مع تطلعاته للبقاء في السلطة والذي يحتاج الى تعديلات كبيرة ربما تصل الى درجة كتابة دستور جديد يتم التوافق عليه من قبل مكونات الشعب، وهذه عقدة ليست بالبسيطة فمن الذي يضمن توافق الجميع على فقرات دستور لبلدان فيها نسيج متنوع من الاديان والقوميات والمذاهب . هذا من جانب ومن جانب آخر فالديمقراطية مازالت حديثة العهد في المنطقة العربية، وأن أي انتخابات قريبة ستشهدها الدول التي أسقطت أصنامها ستجعل الجميع يدرك ان هناك تدخلات وأجندات لأطراف عديدة وحسب التوجهات التي تبني عليها الأحزاب منظومتها الفكرية والسياسية، وربما ستكون مصر الأكثر إغراءً للتدخلات نظراً لموقعها ودورها المؤثر على عملية السلام في الشرق الأوسط وكونها احد الزعامات الدينية المتمثلة بالأزهر إضافة الى سيطرتها على أهم ممر مائي يربط آسيا بأوروبا وكونها سوقاً كبيراً يتكون من 80 مليون مستهلك للاستثمارات الأجنبية والخليجية .ربما يرى البعض مبالغة في ما أقول إلاّ أنّ ما حدث في انتخابات لبنان والعراق من تدخلات وأجندات خارجية تقودها دول ومخابرات خارجية خير دليل على هوس التدخل ومحاولة إيصال الأشخاص والأحزاب التي تتوافق مع البعض الى السلطة التي ستحاول الأحزاب تقاسمها تحت ذريعة حكومة الوحدة الوطنية التي أثبتت ضعفها في ظل وجود الجميع في الحكومة وغياب المعارضة كقيمة سياسية لمراقبة عمل الحكومات . خلاصة القول، إن الديمقراطية ليست مفردة تتحقق بمجرد سقوط الصنم وخاصة في البلدان التي عانت الدكتاتورية جيلاً بعد جيل إنما هي ممارسات ومفاهيم تحتاج الى الوقت الكافي والجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومات المؤقتة في المرحلة الانتقالية لتؤسس لديمقراطية حقيقية تحتاج الى توافق وطني ووعي جماهيري كبير بعيداً عن الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية .
الديمقراطية أم الفوضى بديلا للدكتاتورية ؟
نشر في: 22 مارس, 2011: 07:18 م