TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العلمانية

العلمانية

نشر في: 22 مارس, 2011: 07:19 م

غي هارشير ترجمة: رشا الصباغ(الجزء الخامس عشر)سعياً لوعي ينفتح على مديات تنويرية هي من مستلزمات البناء الديمقراطي الجديد، وتحصيلاً لفائدة الاطلاع على تجارب العالم في الارتقاء بالانسان وحقوقه، تعيد آراء وأفكار  نشر كتاب العلمانية، على حلقات، للكاتب غي هارشير وبترجمة رشا الصباغ.
V - الإجماع بالتقاطع والعلمانيّة: في كتاب الليبراليّة السياسيّة والمقالات التي تلته، يقترح رولز بخاصّة فكرة (الإجماع بالتقاطع) overlapping consensus)). إنّه يعرّف نظريّته بأنّها (سياسيّة محضة)، أي أنّها، في رأيه، لا ترتبط بقضايا أخلاقيّة، أو دينيّة، أو ميتافيزيقيّة سيدعوها مذ ذاك تصوّرات شاملة للخير comprehensive conceptions of the good. يشدّد رولز هنا على جانب مختلف لتصوّرات الخير: إنّها في الوقت نفسه أكثر خصوصيّة من تصوّر العدالة (المفروض أنّه صالح للجميع)، وأشدّ عمقاً، وأكثر شموليّة، وأقوى (تحفيزاً) من حيث أنّها تتعلّق بالالتزامات الوجوديّة والقيم الأساسيّة للحياة، لا بـ (الشأن العامّ)، الأكثر بعداً وتجريداً (على الأقلّ في المجتمعات المعاصرة، بخلاف (الحرارة) المميّزة للنقاش المحتدم بين الديموقراطية المباشرة في اليونان و(حريّة الأقدمين) التي عرّفها-وانتقدها- بنجامان كونستان). إن كون تصوّرات الخير   خاصّة يعني فقط أنّها ليست مشتركة بين الجميع، وأنّه يراد، في المجتمعات المعاصرة، تبنّي مبادئ عدالة صالحة للجميع. لا تفترض هذه الحالة مطلقاً أنّ مثل تلك التصوّرات هي أقلّ (أهميّة). على العكس، فمن قلبها، يقول رولز، منتهجاً في ذلك- إلى حدّ ما- المنطق التطييفيّ، تبزغ الحوافز والالتزامات القويّة. لقد استندت الحجّة الرئيسيّة لليبراليّين (ورولز هو فيلسوف الليبراليّة السياسيّة بامتياز) دوماً إلى التأكيد على وجوب الحذر من الطوائف، وبخاصّة الدينيّة منها (ولكنّ الأديان العلمانيّة الخاصة بالشيوعيّة أو بالأمّة ليست أقلَّ إثارة للمشاكل)، لأنّها حاولت دائماً أن (تسحب)، إن صحّ القول، الولاءَ الواجبَ نحو دولة الحقّ باتّجاه التزامات أكثر حرارة وأقلّ (ليبراليّة) وتسامحاً بما لا يقاس.وقد  كتب بنجامين باربر حول هذا الموضوع كتاباً مهماً بيّن فيه أنّه يجري، في قلب العالم المعاصر، تعزيزٌ مرتبطٌ بالعولمة للطوائف المتشدّدة التي ستعمل حتماً على إضعاف الدول، وهي الأمكنة الوحيدة، حتى الوقت الحاضر، لإقامة نظام ديموقراطيّ وإرساء احترام شامل وذي طابع رسميّ لحقوق الإنسان ولترسيخ العلمانيّة، بمعناها الواسع على الأقلّ. ثمّة، بالطبع، فرط اعتداد أوغرور بالقوة hubris  يقود الدولة، ولقد قادها بالأمس، إلى ممارسة أبشع أشكال التطرّف الديكتاتوريّة، بل الشموليّة؛ ولكن يبقى السلاح الوحيد، برأي باربر، الممكن إشهاره في وجه الدولة الشموليّة والطوائف المتشدّدة هو دولة الحقوق الديموقراطيّة. ندرك إذن، بعد اطلاعنا على النزعات العالميّة التي ستصوغ دون أدنى شكّ بداية القرن الحادي والعشرين، إلى أيّ حدّ كانت نظريّة العدالة تعكس هاجس الليبراليّة السياسيّة: وذلك في ارتيابها بالطوائف وبرغبة تلك الطوائف الدفينة في (إعادة) استعمار حيّز عامّ كانت قد فقدته في سياق عملية علمنةِ ودنيوةِ الدول والمجتمعات. وعلى هذا فالعلمانيّة بحاجة إلى وجود (تصوّرات إجماليّة للخير) يعتنقها الأفراد (بل وخصوصاً الطوائف التي تشكّل دولاً مصغّرة كذلك)، وعليها في الوقت نفسه البقاء على حذر منها. إذ لا غنى لها عن وسائلها المحفّزة، ولكنّ قوة الروابط التي تخلقها قد (تُفرِغ) الولاء الواجب تجاه الدولة من جميع المواطنين. ولا يتعلّق الأمر بعلاقة (عموديّة) بين الأفراد وتجسيد مبادئ العدالة من وجهة النظر المثاليّة فحسب، بل قد يتعلّق الأمر خصوصاً بعلاقة (أفقيّة) بين مواطنين. إذ يُفترض بهؤلاء الأخيرين اعتبار بعضهم البعض- وهذا تعريف المواطنة نفسه- أحراراً ومتساوين، في ما يتعلّق على الأقلّ بقدرتهم على تحديد قواعد الحياة المشتركة، باختصار تحديد نظام الدولة polis. والحال أنّه إذا ذهب ولاؤهم الأساسيّ لجماعات خاصّة ذات التزامات أكثر (تحفيزاً) لأنها أكثر قرباً، وأكثر مباشرةً وأكثر قابليةً للإحساس والإدراك المباشرين، فلن يتمكنّوا إلاّ بشقّ النفس من الإقرار بما يتعدّى هذه الارتباطات بأنهم أحرار ومتساوون وقادرون على بناء عالم غير محدد بولاءات خاصّة ستفرض بالضرورة عن طريق القوّة على أولئك الذين لا يشتركون فيها. لقد تكلّمت في ما سلف عن (صدمة العلمنة): يعني هذا التعبير الطلبَ من الأفراد، عندما يتوجّب عليهم الاختيارُ بين التزاماتهم الطائفيّة والعدالة المواطنيّة للشعب laos  أن يعملوا على تغليب الخيار الثاني حتماً. ولكن، عندما تكون الطوائف، كما هي حال المشكلة التي تشغلنا، مرتكزةً على اعتقاد دينيّ قويّ، فإنّ خضوع شريعة الله لقانون البشر يبدو، على الأقلّ للوهلة الأولى، محالاً وصادماً. مع ذلك، فالذي اكتشفه رولز بعد كتابه نظريّة في العدالة والانتقادات المبرّرة جزئيّاً التي تعرّض لها، أنّ العدالة بحاجة إلى تصوّرات للخير كي (تستعير) منها مصادر الولاء الخاصّة بها. ليس من الوارد بالتأكيد وجود دوام علاقة (طوباوي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram