ماجد الشمرينناقش هنا نقاط التلاقي بين الدين والديمقراطية، وإشكالية الثابت والمتغيّر في النص الديني، ويطرح التساؤلات التالية:1-هل توجد في الدين نظرية سياسية محدّدة، أم أن هناك تعاليم إرشادية فقط؟ وهل هناك مسافة شاسعة بين الحدود الشرعية في النص الديني والمواد التشريعية في الأنظمة الوضعية؟ وكم هي؟
2- ما هو الفرق بين الحاكم الديني والحاكم السياسي في كلّ من الديمقراطية والدين ؟وإذا كان الشعب فعلاً هو صاحب القرار، فأين تكمُن الوصاية أو الدكتاتورية في النظرية الثانية؟ 3- هل الأفضل فصل الدين عن السياسة والسياسة عن الدين في المجتمعات الإسلامية، أم الأفضل تجسير العلاقة بينهما وتنسيقها؟ 4- هل يتعارض الدين مع الآليات الديمقراطية في الإستفتاء والبيعة أم إنه يستقيم معها عِبر إقرار التصويت والإنتخابات والتأكيد على تفعيل المقولة الديمقراطية المعروفة: (أوراق الإقتراع بدل طلقات الرصاص)؟Ballots instead of Bullets .5- جواب هذه التساؤلات في البحث التالي. لماذا الديمقراطية!؟لا ينبغي أن يكون الاستغراق في تداول المصطلحات الحديثة، أو التوغّل في دلالاتها اللفظية دون التأمّل في خلفياتها ومعانيها مبرّراً لتشكيل هواية جديدة، أو ترتيلاً رتيباً معدّلاً لمعزوفات قديمة، أو مصطلحات قديمة. كما لا ينبغي أن يكون هذا الترتيل مقدّمة لما دأبنا على فعله أيام زمان حين كنّا نرتّل أو نعزف على أعواد الاشتراكية، والقومية العربية، والإسلام الديمقراطي، واشتراكية الإسلام، والبرجوازية الوطنية، وديكتاتورية البروليتاريا وأمثال ذلك.ونخشى أن تكون الهواية الجديدة هذه، أو العزف الجديد هذا، أو الترتيل الجديد، إغراءً بديلاً للوعي العربي والإسلامي المعاصرَيْن اللذين واكبا مسلسل الإخفاقات التي قادت الى إنشاد أو إنشاء تلك المصطلحات، وكأن هذا الترتيل يُهيّيء الأسباب اليوم لتسويق أو تسويغ المشروعية الفكرية لترويج مصطلحات جديدة، بدل تلك القديمة المذكورة، كالتعددية الدينية والبلورالزم، والتنوع، وولاية الفقيه، والقراءات المتعدّدة للإسلام، والمجتمع المدني، والديمقراطية، وغيرها. صحيح، إن أمة العرب هي أمّة الشعر، وإن حضارتهم هي حضارة النصّ، - كما يقول البعض - وأن العرب مشغوفون بترتيل المصطلحات والنصوص، والتباري بالقوافي والألفاظ، إلاّ إنهم أدركوا بعد طول تجربة وشديد معاناة أن بعض عيوبهم هو حبّهم المفرط لتراكم الملفوظات والنصوص، والذي يأتي على حساب حبّهم الى تراكم المعاني والدلالات والأفكار. وهذا يعني إنهم على أعتاب إدراكٍ جديد نأمل أن لا يُستنزفوا بعده في تهويمات ثقافية وفكرية جديدة قد تقودهم الى ما يشبه الانغلاق على الأوراد الغامضة والتعويذات المبهمة التي تحمل أكثر من معنى وتنطوي على أكثر من دلالة، وحيث يكثر الشطط اللغوي وتزدحم المعاني المعقّدة على حساب المدلولات الفكرية والمعاني العميقة والإستظهارات الواضحة الشفافة.هذا من جانب، ومن جانب أخر، نتمنّى أن يكون الإقبال على ترتيل المصطلحات الجديدة نابعاً فعلاً من خشيتنا المبرّرة من اكتساح العولمة، أو (هلعنا) المشروع من هول الغارة الثقافية على مجتمعاتنا الإسلامية، أو بسبب الاعتقاد الناضج الذي أفضى الى يقيننا أن السيل الهائل من النصوص القديمة لم يُنزل علينا غيثاً ولم يحصد لنا زرعاً رغم اجترارنا لهذه النصوص لعقود متوالية، ورغم ما ازدحمت به هذه النصوص من شعارات ويافطات ولافتات كبيرة كنا رفعناها ليلاً ونهاراً، وترنّمنا بها سرّاً وجهاراً حول الأمة العربية الممتدة من (لمحيط الى الخليج)، أو الإسلامية الممتدة من (سومطرة) الى (جكارتا)!! أو من أندنوسيا الى أفريقيا.وإذا كان ذلك في زمن (المراهقة السياسية) الذي اهتدى فيه من اهتدى وضلّ من ضلّ إلاّ أنّ تصفية الميراث الوهمي لا ينبغي أن يتأتى عبر العمل على تضخيم مصطلحات جديدة وأدلجتها بأطُر ومقاربات ربما لا تختلف كثيراً عن تلك التي استنزفت سنين طويلة من طاقات المثقفين والمفكرين العرب والمسلمين ممن ندبوا ودافعوا طويلاً عن (الكادحين) و(الفقراء) و (الطبقات المسحوقة)، ونافحوا عن (واجب الوجود)، وفائض القيمة والملكية الخاصة، ونخشى أن يواصلوا ندبهم ونواحهم اليوم على يوتوبيا أخرى تحت عناوين جاهزة، كالسلف الصالح، والمرجعية الرشيدة، وتحكيم الشريعة، وإعادة الخلافة، وولاية الفقيه، والعودة الى حكم القرآن، وأمثال ذلك، ممّا لم ينتج لنا إلاّ دوغماتيات مغلقة، وقطعيات مبتورة، لم نرَ خلالها إلاّ صوراً شوهاء لأيديولوجيات مكرورة، تلبّست بعضها بعلمانية مراهقة لا يُعرف معناها، وتلفّعت أخرى بدينية هرمة لم تنهض بأية مسؤولية حقيقية تجاه الفرد كإنسان أو المجتمع كبشر.نقول: حتى الذين ركبوا تلك الموجات عن أغراض شريفة أو أهداف نبيلة، وممن يعتبرون أنفسهم أصحاب الميراث الشرعي لها، أدركوا اليوم أن معاركهم حول (الإيمان والالحاد) وسجالات (العلّة والمعلول)، و(واجب الوجود) و(ممكن الوجود)، لم تكن معظمها سوى تهويمات بائسة وإعلانات دعائية خائبة لتسويق الكاسد والبائر من رؤى ونظريات وأفكار أكل الدهر عليها وشرب.نعم، علينا وعليهم، وربما كنّا منهم، ألاّ نُكرّر نفس الخطأ مع مصطلحاتنا الجديدة حول الديمقرا
الدين والديمقراطية
نشر في: 25 مارس, 2011: 04:46 م