حسين علي الحمدانيظلت المنطقة العربية بعيدة عن التحولات والتغييرات العالمية فترات طويلة ربما بعضها تجاوز ستة عقود من الزمن، واليوم هنالك بوادر تغييرات بعضها ظهر وأخذ مكانه كما في الحالتين التونسية والمصرية، والبعض الآخر ما زال في مخاض الثورة، وفي كلا الحالتين ظهرت الدولة الاستبدادية بشكلها الواضح والصريح هذه الأيام في العالم العربي لتؤكد ما كنا نتداوله منذ عقود طويلة في العراق حين كنا نصف نظام المقبور صدام وكان البعض لا يصدق ما نقوله،
اليوم نرى جميعا ويرى العالم بأكمله كم نسخة من الطاغية صدام موجودة في الدول العربية، ليس القذافي هو النموذج الوحيد ولا علي عبد الله صالح، بل نكاد نرى أكثر من نموذج، ومعه بدأت الشعوب حراكها لإسقاطهم في مرحلة لم تعشها من قبل شعوب المنطقة، وعملية الانتفاضات الشعبية هذه هي الحلقة التي كان يجب أن تمر بها الشعوب العربية بعد 2003عندما تهاوى الصنم الأكبر الطاغية صدام، وأكاد أجزم بأن تأثيرات الزلزال العراقي بدأ يتضح في العالم العربي، والذي تابع مجريات الأحداث منذ نيسان 2003 وحتى يومنا هذا سيجد بأن العرب في تعاملهم مع الشأن العراقي مروا بمراحل عدة، مثلت المرحلة الأولى منه الصدمة والتي عبر عنها المجنون القذافي بأن تخلى عن أسلحته الكيماوية وسلم برنامجه النووي الذي كلف ليبيا 21 مليار دولار للتدمير وفعل هذا لكي لا يتكرر مشهد صدام كما يقال .ولكنه تناسى أن يتصالح مع شعبه وأن يقود عملية بناء للدولة الليبية التي بدت لنا مجرد شوارع خالية من الإعمار وبنى تحتية متهالكة بعد 42 سنة من ثورة الفاتح التي أغلقت كل الأبواب أمام ليبيا، بعد أن تجاوز العرب مرحلة الصدمة انتقلوا في تعاملهم مع الشأن العراقي عبر التدخل الصريح والعلني واستخدام المال لتعطيل مسيرة البناء والديمقراطية معا في هذا البلد ولمسنا ذلك بوضوح في تجنيدهم الإرهابيين من الدول العربية كافة وفي مقدمتها الخليج العربي ومصر واليمن وليبيا وتونس وسوريا، وكانت هذه المرحلة صعبة على الشعب العراقي الذي دفع ثمنا غاليا للتدخلات العربية وغير العربية في شؤون البلد وإثارة النعرات بين أبناء الشعب الواحد، المرحلة الثالثة وهي مرحلة التكيف مع الحالة العراقية ولكن هذا التكييف كان حذرا جدا ومشروطاً في بعض الأحيان خاصة وإن بعض الدول العربية كانت تفرض أجنداتها حتى في عملية تشكيل الحكومة وتحاول بشكل أو بآخر فرض ذلك، مضافا إليها بأن البعض منها تعامل مع العراق كشريك اقتصادي وليس سياسياً.وفي المراحل الثلاثة الماضية بدأ النظام السياسي في العراق غريبا عن بقية الأنظمة بحكم إن العراق بلد ديمقراطي عكس النظم الحاكمة في الدول العربية، وبات الخطاب الإعلامي والثقافي العراقي ومصدر القرار في العراق يختلف كثيرا عما هو سائد في المنطقة، وبالتالي نجد بأن المرحلة التي تمر بها دول المنطقة العربية الآن هي المرحلة الرابعة وهي مرحلة التغيير الحقيقي الذي كان يجب أن تكون المرحلة والحلقة الأولى من حلقات بناء الدولة العربية الحديثة، وعندما نقول المرحلة الأولى كي نجنب الشعوب العربية ما جرى لها من قمع وتقتيل علني في دول عديدة مثل ليبيا واليمن والبحرين وما قد يجري في سوريا التي بدأت مدنها تنهض في ثورة شعبية لا أعتقد بأن النظام السوري سيصمد أمامها رغم إنه يراهن على انه دولة مواجهة مع العدو الإسرائيلي كما تروج وسائل إعلامه متناسيا بأن مصر التي سقط نظامها هي الأخرى دولة مواجهة ودولة محورية في المنطقة .الشعوب العربية تنتفض، وبعضها يقمع ويقتل ويشرد ولكنها ستنتصر حتما، وهذا الانتصار يكمن بأن رياح التغيير هذه المرة تقودها الشعوب وتحركها مع وجود رغبة في المجتمع الدولي بعدم مقاومة طموحات الشعوب وتجلى ذلك بوضوح في تعامل المجتمع الدولي مع الثورة الليبية ومساندته لها عبر فرض مناطق حظر جوي وشن غارات على معاقل وكتائب ومرتزقة القذافي، وهذا من شأنه أن يشكل نقطة تحول كبيرة جدا في فهم الغرب حاجات المجتمعات العربية التي تتطلع للحرية والتخلص من الاستبداد،خاصة وإن الكثير من الدول العظمى وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا باتت تدرك جيدا بأن مصالحها الحقيقية مع الشعوب وليس مع الحكام،ومن يظن من هؤلاء الحكام بأنه مدعوم من أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا فهو مخطئ جدا ولا يقرأ التاريخ المعاصر بشكل جيد، لأن الغرب الآن ينظر للقيم والمبادئ والمواثيق أكثر من نظرته للمصالح , ولا يشعر أبدا بأن مصالحه في المنطقة مرتبطة بوجود هذا الحاكم أو ذاك، بقدر ما ينظر بأن هذه المصالح مرتبطة مباشرة بالشعوب قبل الحكام .لهذا نجد بأن التغييرات الجيو سياسية الكبيرة التي تشهدها المنطقة العربية تمثل في ما تمثله ولادة حقيقية لإرادة الشعوب التي حاول الاستبداد والقمع مصادرتها بالقوة والبطش، وما يمكن أن نقوله بأن العرب يعيشون الآن الموجة الأخيرة من الديمقراطية التي غطت كل بقاع الأرض إلا وطننا العربي .
الولادة الحقيقية للشعب العربي
نشر في: 27 مارس, 2011: 08:33 م