TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الإبداع والثقافة... وارتباطهما معاً بسياسة الرقمنة

الإبداع والثقافة... وارتباطهما معاً بسياسة الرقمنة

نشر في: 28 مارس, 2011: 05:17 م

عبد المجيد حسن شياعتعتبر المعرفة الرقمية الآن واحدة من أبرز خصائص المجتمع المعاصر ووسيلة فعالة في تحقيق تطلعاته الى المستقبل عن طريق استخدام التكنولوجيات الإلكترونية المتقدمة، مما يؤدي إلى حدوث تغييرات كبيرة ليس فقط في إمكانات التوصل وتداول المعلومات، ولكن أيضاً في منظومة القيم المتوارثة والعلاقات بين الناس، ومع تعقد الحياة وزيادة متطلباتها تزداد الحاجة الى الاستفادة من قوى الإنسان الإبداعية وتنميتها للتغلب على الصعوبات الناجمة عن هذه الأوضاع المعقدة والتي لم يكن له يد في حدوثها ، مما يعني اتساع مفهوم الإبداع ، بحيث لم يعد مقصوراً على مجالات النشاط الفكري والثقافي ، وإنما يمتد الى كثير من جوانب الحياة اليومية ومواجهة الاحتياجات المادية .
وتتيح هذه التكنولوجيا الفرصة لارتياد مجالات علمية وثقافية كثيرة ومتنوعة، وكثيراً ما تكون متناقضة في ما بينها ، ولكن هناك أجيال جديدة تعرف كيف تتعامل بتلقائية شديدة مع هذه الثقافة الرقمية والتي تؤلف جزءاً من تكوينهم الذهني وسلوكهم الطبيعي ، بحيث يطلق عليهم في بعض الكتابات اسم (( الناس الرقميين )) الذين ولدوا وترعرعوا وشبوا في هذا العالم الرقمي واندمجوا فيه بكل كيانهم ، وإن كانت هناك اتجاهات مضادة لا تنظر بعين الارتياح إلى ذلك الاندماج الذي يكاد يصل إلى حد التوحد الذي يسلب الفرد شخصيته وكيانه المتميز .ويقول (( آرتور كويستلر )) في أحد كتبه والذي صدر بالإنكليزية عام ((1964)): ((إن الإنسان خلاق مبدعاً بطبعه ولكن قواعد السلوك ومبادئ التفكير السائدة في المجتمع كثيراً ما تفرض قيوداً تحد من انطلاق تلك القدرات )) ، فالإبداع عملية ذهنية واجتماعية في وقت واحد ولكنها تتضمن تصورات وأفكاراً تعبر عن رؤية ثورية غير مسبوقة ، وتعتمد على صياغات جديدة تماماً للأشياء ، وقد تكون هناك جوانب غريزية في التكوين الذهني للإنسان المبدع ، ولكن لابد من وجود عناصر خارجية في العالم المحيط به تؤلف مادة هذا الإبداع .ولقد كانت الثقافة والإبداع مرتبطين منذ أقدم العصور بالتطورات التكنولوجية التي حققها المجتمع في كل عصر من تلك العصور، فالرسوم والتصاوير الجدارية في كهوف العصر الحجري مثلاً لم تكن لتتم لولا توافر العناصر والمكونات المادية والأدوات والآلات التي استخدمها الإنسان المبكر في إنجاز عمله ، وذلك الى جانب امتلاكه هو نفسه القدرة الإبداعية الفنية من ناحية ، ووجود الإنسان المتلقي الذي يدرك معنى تلك الرسوم ويستمتع بها جمالياً من ناحية أخرى ، وقد أدت الثورة التكنولوجية الرقمية في أواخر القرن العشرين إلى قيام نماذج جديدة ومعقدة من الإبداع الذي بلغ ذروته في العقود الثلاثة الأخيرة ، وقد أتاحت هذه الثورة مجالات واسعة جداً للتجديد والابتكار والاستفادة من العناصر المادية والفكرية المتاحة في الإنتاج المبتكر وتداوله ونشره والدعوة إلى المشاركة فيه عن طريق التذوق والتقييم أو الإضافة إليه ، وساعد ذلك على الكشف عن المواهب الدفينة لدى أشخاص لم تكن لديهم في الأغلب مثل هذه الفرص أو الإمكانات من قبل ، فهذه التكنولوجيا تتيح كل الإمكانات أمام الفرد للاتصال بالعالم الواسع الفسيح والتعرف على ما يدور فيه من أحداث وأفكار وإنجازات علمية وأدبية وفنية ، وتترك له المجال واسعاً للاستفادة منها وحرية التعامل معها سواء بالاستعارة الصحيحة ، أو بالمزج بين أشكالها المختلفة ، أو إعادة ترتيب عناصرها وتشكيلها وصياغتها في نماذج جديدة ، لذلك فقد يكون من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه الوضع بالنسبة للإبداع في المستقبل .على أية حال ، فإن استخدام هذه التكنولوجيات الحديثة يؤدي إلى اتساع نطاق مصادر المعرفة وتبادل المعلومات والتأثر والتأثير المتبادل بين الثقافات والى تذليل الصعوبات، وإتاحة الفرصة للكثيرين في إنتاج أشكال جديدة وأعمال مبتكرة من الأدب والفن وخاصة في مجال التصوير والموسيقى بطريقة تلفائية بعيداً عن القيود والقواعد والإرشادات المتزمتة، كما يعمل على توسيع الخيال وفتح مجالات عدة ومتنوعة للابتكار عن طريق التفاعل بين الإنسان والأجهزة وتسخيرها في تحقيق هذه الإبداعات، مع إمكان الاحتفاظ بنسخ منها ونشرها وتبادلها على نطاق أوسع ، ومن شأن ذلك توسيع دائرة المهتمين بالإبداع في مختلف صوره وأشكاله ومجالاته مع تنمية ملكة التذوق والتقدير والنقد وتشجيع العديد منهم على ارتياد مجال الإبداع الشخصي في الفن والكتابة .وإذا كان هناك من يشكو الآثار السلبية المترتبة على المبالغة في الارتباط بالحاسوب إلى حد الإدمان واعتبار ذلك مسؤولاً عن تدهور القدرات الذهنية والفكر المستقل والانقياد وراء الآخرين ومحاكاة إنجازهم وبالتالي تراجع الشخصية الإبداعية لدى الفرد ، فإن هناك على الجانب الآخر من يرى إن ذلك الارتباط يساعد على تنشيط التفكير والخيال والإبداع والتوصل الى اكتشافات مثيرة ، كثيراً ما تتحقق عن طريق إعادة تنظيم وترتيب العلاقة بين الأشكال والأفكار والألوان والأصوات وما إليها من عناصر الإبداع المتوافرة بالفعل والتي يسهل الحصول عليها من خلال تلك الوسائل الرقمية التي أسهمت في إزالة الفوارق بين ما هو افتراضي أو غير حقيقي وما هو معروف ومألوف ووسعت المجال أمام التفكير المتسامي عن الواقع المحسوس والمحدود ، كما إنها تعمل على توسيع نظام الابتكار وظهور مبتكرين ومبدعين جدد لهم القدرة على مزج أساليب ووسائل التعبير المختلفة في وحدة معقدة ولكن تتكامل فيها عناصر اللغة والرسم والموسيقى والنحت وغيرها بشكل تعجز عنه وسائل الإبداع القديمة ، ومن الصعب فرض قيود على قوة انتشار الرقمنة وتحديد تأثيراتها أو حصر ذلك التأثير في نطاق محدد يمنع انتشارها على مست

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram