د. جمانة القرويرواية الكاتبة العراقية المبدعة سميرة المانع الصادرة عن دار المدى للنشر والثقافة في 2010، قبل بضعة أسابيع تجولت في معرض المدى للكتاب في اربيل ، وكعادتي أتجه دائماً إلى رفوف الرواية والقصة القصيرة، لمتابعة الإصدارات الجديدة منها، فهذا النوع من الفن يستهويني .. من بعيد استرعى انتباهي غلاف فيرووزي اللون، وما ان قرأت اسم الكاتبة حتى أصبح ضمن مجموعة الكتب التي اشتريتها.
منذ زمن وأنا أتابع الروائية سميرة المانع، ومن حسن حظي اني قرأت جميع رواياتها السابقة، كـ (القامعون)، و(شوفوني شوفوني) .. و(حبل السرّة) .. وغيرهاكنت ما ازال اتصفح أوراق الرواية الجديدة (من لا يعرف ماذا يريد )، حينما اتصل بي احد الأصدقاء الشباب مَمن ولد وترعرع في ظلم النظام السابق الذي اسدل ستائره المعتمة على المثقفين العراقيين في المهجر، وحجب إبداعهم، سواء على صعيد القصة او الرواية او الفنون الأخرى.. لم أستطع إخفاء فرحتي بالرواية الجديدة ، فقلت لصديقي الشاب المهتم هو الآخر بالأدب والأدباء باني كنت محظوظــــة بشراء النسخة الأخيرة من رواية سميرة المانع الجديدة .. فما كان منه إلا ان فاجأني بقوله: " مَن سميرة المانـــع ، وهل هذه اول رواية لها "؟كم تأسفتُ وتألمت حينما سمعت ذلك من رجل مهتم بالأدب ومتابعة كاتبيه بان روائية عراقية ومنذ عقود مثل الكاتبة سميرة المانع لا يعرفها أبناء وطنها الذين كانوا ومازالوا وفي جميع رواياتها همهـــــا وشغلها الشاغل، حيث انها عالجت الكثير من قضاياهم وشخوصهم بضمنها أمراض المجتمع العراقي في كل رواياتها وقصصها تقريبا .وقد رأيت من واجبي الكتابة عن هذه الرواية التي أمتعتني متمنيةً على الجميع قراءتها ..إن القاسم المشترك في جميع الروايات الأديبة المبدعة سميرة المانع هو توغلها في النفس البشرية وبالذات العراقية منها، حيث استطاعت بلغتها الجميلة الخالية من الحذلقة والتعقيدات اللغوية الوصول إلى مكامنها فعكست بشكل واضح أغوارها.. كما حاكت روايتها الأخيرة الواقع العراقي المعاصر بكل تفاصيله مستغلة الفلاش باك ، ومستخدمة أيضاً الأمثلة العامية المتداولة في مجتمعنا، مما أضفى الكثير من المصداقية والعمق لشخوص الرواية كلاٍّ على حدة، وجعلت لكل شخصية نكهتها الخاصة بها ..لقد اعتمدت الروائية أسلوب وتقنية إظهار المشاعر والأفكار عن طريق المنلوج الداخلي للشخصيات وبطريقة عفوية، بالإضافة إلى أسلوب التسلسل العفوي، او أسلوب الشيء بالشيء يذكر ، حيث ينطوي على جوهر هذا الأسلوب الفني، ما أن يذكر احد الأمور حتى يتداعى العقل إليه بشكل الجذب، سواء ما يحبه الفرد او يكرهه..بالإضافة الى انها استخدمت في أسلوب رواياتها عامة وبالذات ( من لا يعرف ماذا يريد) العلاقات والسلوكيات التي سبقتها دوافع ونوازع متعددة ، وما ترسب في دواخل الإنسان وهذا ما يسمى بـ( تيار الوعي) ، وهو من الأساليب العصرية في الرواية الحديثة في القرن العشرين، ومن أهم رواده فرجينا وولف وجيمس جويس... وقد استخدمت سميرة المانع تيار الوعي بشكل واضح جدا حينما أخذت تنقل بترو ما تفكر به الصديقتان ، وما تتحدثان به بصمت كما لو إنهما تتحدثان مع بعضهما وهذا كثيراً ما يحصل لنا جميعاً.لم يقف إبداع الكاتبة عند ذلك فقط ولا عند تشريح شخوص القصة، ودواخلهم بل تعداه إلى إشراك المتلقي في النشاط الإبداعي .. فهناك الكثير من صفحات الروايــة التي يجب التوقف عندها، والإمعان في كيفية وصف الروائية للشخصيات بشكل واقعي وقريب جدا من حقيقة دواخل الإنسان، وأهم تلك الشخصيات ، وصفها للموظف المتعجرف في وزارة التربية والتعليم وأسلوبه في التعامل مع الآخر لمجرد ان أفكاره تتعارض او لا تتفق معـــه.. وهذا بالضبط ما يجري حالياً وبالماضي في العراق ، وللأسف فما تزال دوائر الدولة مملوءة بمثله و تعاني ممن يمارسون ذات الأسلوب غير الحضاري في التعامل مع الآخر، يدفعه لذلك اختلافـــــه معهم في الرأي او العقيدة ..كما عكست وضع العراق الحالي ما بعد سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري ، وكيف تعيش المرأة العراقية الآن والتي هي نصف المجتمع، وقد نجحت بتقديري نجاحا باهرا في مقارتنها مع أختها العراقية في سنوات الخمسينات والستينات وحتى بدايــــة السبعينات من القرن الماضي وما نالته المرأة من حقوق تنازلت عنها في ظل ظروف حكم استبدادي شمولي ظالم ، مذكرةً بالجرائم التي ارتكبت بحق المرأة العراقية إبان ذلك النظام ( كقتل النساء بالسيف بتهمة الدعارة )!! وعالجت بأسلوبها الفني الجميل كيف ان المرأة تعودت الخنوع والاضطهاد والارتداد والتقهقر .. ( وذلك من خلال الحديث الذي دار بين الصديقتين العائدتين من توديع جثمان صديقتهمـــا الثالثة إلى مثواها الأخير )! وحينما ربطت بين الماضي والوعي السائد آنذاك والحاضر في المجتمع العراقي في ما يخص المرأة مع بدايات القرن الحادي والعشرين ، وكيف ان المجتمع عاد إلى التزمّت بالأعراف والتقاليد البالية التي لم تعد تناسب او تنسجم وعصرنا الحالي، وعودة المجتمع العراقي إلى الوراء، فنسبة عالية من النساء
صدر عن دار المدى.."من لا يعرف ماذا يريد".. سرد توثيقي للعراق بعد 2003
نشر في: 28 مارس, 2011: 05:53 م