غالب حسن الشابندر(1)حسنا أن تكون هناك ديباجة أو مقدمة للدستور ، عرفُ معمول به في كثير من التجارب الدستورية ، والمهمة الجوهرية لـ ديباجة بيان فلسفة الدستور ، واهدافه وغاياته بلغة قانونية رصينة ، تغلب فيها المفردات القانونية والتشريعية ، على أن تحا فظ كل كلمة على موقعها الطبيعي من السرد ، وان يبتعد السرد جهد الامكان عن لغة المترا دفات والتكرار ، ومعادلات الآهات وا لأوجاع والبكائيات والرثائيات ، فنحن بين يدي لغة قانونية
وإنْ كانت ديباجة ، ولسنا في موقع استرجاع الذكريات والايام سواء حلوة كانت أو مرّة ، فهذه القضايا لها مكانها الآخر كما هو معلوم ، مكانها التاريخ والأدب وليس الدستور .rnالطابع العام لهذه الديباجة هو الأدب ذو الصبغة المنفلوطية، اي نسبة الى الأديب المصري المعروف مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب العبرات والنظرات حيث تشيع في أدبه اللغة البكائية، وتنضح كلماته بالدموع والدماء والآلام ! والشيء المثير هو تسميتها ديباجة حيث لا اعرف لذلك وجها، كبديل عن المقدمة ، وهي أسهل قراءة وفهما بل وهي الحالة السائدة تقريبا ، وربما لم يتذكر صائغ هذه الديباجة مقدمة ابن خلدون التي تعتبر أهم انجاز حضاري في الفكر العربي الاسلامي على صعيد شؤون الاجتماع والعمران .هذه الديباجة عبارة عن بكائية ، وبكائية مكتوبة بلغة الادب المنبري ، الأدب الشعري الساذج، فهي تذكر بصريح العبارة أن إقدام العراقيين بملايينهم إلى صناديق الاقتراح في الثلاثين من شهر كانون الثاني كان مقرونا باستذكار مواجع القمع الطائفي وباستلهام فجائع شهداء العراق شيعة وسنة وباستيحاء ظلامة استباحة المدن المقدسة والجنوب... وباكتواء لظى شجن المقابر الجماعية والاهوار والدجيل... فنحن إذن بين يدي اغنية جنائزية وليس بين يدي فلسفة ، الديباجة ) دموع ودم وآلام ، وليست فكرا ، وفلسفة . (2)تقول الديباجة هذا: نحن أبناء وادي الرافدين موطن الرسل والانبياء ومثوى الإئمة الاطهار... عرفانا منّا بحق الله علينا ،وتلبية لنداء وطننا ومواطنينا... زحفنا لاول مرة في تاريخنا لصناديق الاقتراع.هذا النص المنفلوطي مثير حقا، إذ أليس هم المواطنون الذين زحفوا للاقتراع؟ وعليه ما معنى المقدمة الاستهلالية تلبية لنداء وطننا ومواطنينا؟ نص غير وا ضح، محير، يبدو أن كتاب الديباجة يشيرون الى انفسهم، أي هم الذين أقدموا الى الاقتراع نداء لـ(مواطنيهم!ام أن المواطنين استجابوا للمواطنين؟يصعب على القارئ بمن فيهم مثلي ان يميز بين المنادي بكسر الدال وبين المنادى بفتح الدال، فهل نحن بين لغة ملغزة، أم هي متطلبات التعبير الأدبي الرمزي، خاصة وإن كاتب الديباجة يريد تنوير العراقي مهما كان مستواه الفكري بأهمية الدستور وخطورته ؟ أقول ذلك وعلمي بكل بساطة إنها ليست من صنف الادب الرمزي قطعا ، ولا من صنف اللغة القانونية، ولا من صنف اللغة الوظيفية، ولا من صنف اللغة الإعلامية، لغة مجهولة الهوية، خاصة وهي ملغزة المضمون. ملاحظة أخرى على هذا النص الغريب الهوية وا لمعنى، ترى لماذا نحن ابناء الرافدين وليس نحن أبناء العراق؟ أليس هذا التعبير أكثر مصداقية على الوطنية؟ أليس الجميع تنا دوا الى الانتخابات والجميع شاركوا فيها، وقبل ذلك الجميع اكتووا بنار الديكتاتورية والطغيان الصدامي؟ الديباجة في سطور لا حقة تقول نحن أبناء العراق! هل هناك ما يستدعي مثل هذه المفارقة ؟ لماذا في البداية نحن أبناء الرافدين وفي وسط الديباجة نحن أبناء العراق؟ بل حتى إذا كانت هناك مناسبة بين اللغة والموضوع كانت البداية تستحق التعبير الوطني الاشمل، اي نحن أبناء العراق...أليس كذلك؟ (3)تقول الديباجة هذه:... ومعاناة أهالي المنطقة الغربية كبقية مناطق العراق من تصفية قياداتها ورموزها... ولست أدري أي مناسبة هي أن يحشر كتًّاب الديباجة هذه الاشارة التي تثير الشك ، اي كبقية مناطق العراق، أركًّز هنا على حرف التشبيه ك ، ولماذا لا يكون درج مأساة المنطقة الغربية كـ أي منطقة أخرى في السياق العام لجغرافية العراق دون هذه الإشارة الزائدة ؟أي دون كاف التشبيه هذه. أن هذه الإشارة الغريبة كبقية مناطق العراق ليست مريحة، وتسجل علامة شذوذ واضحة، وتثير الريب ، يبدو بكل وضوح ان كاتب الديباجة هذه لا يقدر قيمة الكلمة، ودورها في الحياة والمجتمع ومصير الشعوب والأمم.إنها صياغة قلقة، بعيدة عن الحصافة واللياقة الوطنية، وتثير السؤال حتما خاصة من قارئ غير عراقي.(4)تقول الديباجة : نحن شعب العراق الناهض توّاً من كبوته ... هل كان هذا الشعب في كبوة واليوم نهض من هذه الكبوة ؟أي كبوة هذه يا ترى ؟من الواضح ان التعبير يختزن إدانة للشعب العراقي ، من الواضح ان كاتب الديباجة يختزن في داخله فكرة مؤداها ان الشعب العراقي كان راضيا بالحكم الصدامي الديكتاتوري ،و إلا ما هي هذه الكبوة التي انتفض عليها ،كبوته على وجه الخصوص؟ هل كان الشعب العراقي في كبوة قبل الانتخابات ، قبل التغيير، وا لآن نهض من كبوته ؟هذا ما يوحي به نص الديباجة التا ريخية !الشعب العراقي دائم النهضة ضد الاستعمار ، وضد الاقطاع، وضد الظلم ، لم يكن يوما كابيا، بقاء حكم صدام حسين لمدة ثلاثين عاما ليس ب
ديباجة الدستور العراقي مواجع وأحزان على الطريقة المنفلوطية!
نشر في: 29 مارس, 2011: 05:19 م