TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ثورة الشباب العربي: حول أدوار المثقفين

ثورة الشباب العربي: حول أدوار المثقفين

نشر في: 5 إبريل, 2011: 05:02 م

سعد محمد رحيمفي مكان ما من رواية (المثقفون) لسيمون دي بوفوار نقرأ الحوار الآتي بين آن (دي بوفوار) وروبير دوبروي (سارتر):"قلت: الغريب أن هنري (ألبير كامي) أقل حرصاً منك بكثير على القيام بدور سياسي.فقال روبير: لعله فهم أن أشياء أخرى مطروحة على بساط البحث.
ـ ماذا إذن.فتردد روبير: أتريدين لب فكرتي؟.ـ بالطبع.ـ لم يعد للمثقف أي دور يلعبه.ـ كيف هذا؟ إنه يستطيع على كل حال أن يكتب، أليس كذلك؟ ـ أوه! يمكننا أن نلهو بضم كلمات، كما نضم لآلئ، مع الحرص الكبير على ألا نقول شيئاً. لكن حتى هكذا، هذا خطر.فقلت: لنر، أنت في كتابك تدافع عن الأدب.فقال روبير: آمل أن ما قلته سيعود حقيقياً من جديد ذات يوم. أما حالياً، فإنني أعتقد أن خير ما نستطيع أن نفعله، هو أن نجعل العالم ينسانا".نلمس مسحة من التشاؤم في نبرة روبير/ سارتر.. إن هذا الحوار يجري بعد الحرب العالمية الثانية، في نهاية الأربعينيات أو ربما في بداية الخمسينيات، حيث الأحداث تتقلب بالشكل الذي يعاكس توقعات المثقفين، حتى أنهم يحسون بأنها تتفلت من بين أيديهم، ولا يستطيعون إزاء تداعياتها فعل شيء حاسم، فيدركون أن وسائلهم القديمة في التأثير على ما يجري لا تجدي فتيلاً.. لقد ظهرت قوى جديدة وتقنيات جديدة وأساليب عمل جديدة ووسائط تأثير لم تكن معروفة في السابق. لكن، على الرغم من هذا الشعور بالإحباط فإن تأثير أمثال سارتر كان ملحوظاً، وأحياناً حاسماً. وسيشارك هو نفسه ( سارتر ) بطريقة فعالة في ثورة 1968 الطلابية. ما أريد قوله هو أن للمثقف دوراً ما، وتأثيراً بهذه الدرجة أو تلك، إذا ما سعى لذلك الدور ولذلك التأثير، على أن يفهم ماذا يجري على وجه التحديد، وفي أي سياق تاريخي، وما موقعه في إطار جغرافية الحدث التاريخي، وماذا عليه أن يفعل وكيف؟. أسوق هذه المقدمة الطويلة نسبياً تمهيداً للتساؤل والحديث عن ثورة الشباب الحالية في البلدان العربية، وأي دور يُنتظر من المثقفين أن يؤدوه؟ مع التأكيد على اختلاف السياقين ( فرنسا منتصف القرن العشرين، والشرق الأوسط في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ). وأبرز سؤالين يمكن أن يواجهانا الآن: هل يستطيع المثقفون التأثير في مجرى الأحداث الحالية، وإلى أي حد؟ وهل يحتاج الحدث التاريخي هذا دورهم وموقفهم؟.مرّت أدوار المثقفين العرب في الوسط الاجتماعي/ السياسي بأطوار مختلفة، ففي مرحلة ما، لاسيما في العقود الأولى من القرن العشرين وحتى الستينيات منه، وجدوا أنفسهم، في الغالب، في قلب الحدث السياسي، وجزءاً من الحالة السياسية، وبهذا كانوا فاعلين اجتماعيين، يقترن عندهم التنظير والدعوات، بهذه الدرجة أو تلك، بالنشاط والممارسة، لكن مذ أخذت النظم العربية الانقلابية، ذات الهوية العسكريتارية، بتلفيق ثقافة ثوروية استهلكت خلالها مفاهيم لا تحصى لاكتها الألسن، واكتظت بها البيانات، حتى لم تعد لها أي معنى، وهي المفاهيم ذاتها التي كانت النخب الثقافية تروِّج لها؛ ( التقدم، النهضة،الاشتراكية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، الحرية، التنمية، الوحدة العربية، الخ ) نقول منذ ذلك الحين استعارت النظم تلك، أو سرقت أدوار المثقفين، وهمشتهم. ومذ ذاك لحق ضرر فادح بالفكر العلماني ـ المديني بوجوهه ( اليساري والليبرالي والقومي ) بعدما تبنى كل نظام عربي من تلك النظم، ظاهرياً، وجهاً من وجوه ذلك الفكر، في شعاراته وخطاباته وبرامجه المقترحة ( التي لم تنفّذ قط )، خالقاً حاجزاً نفسياً غليظاً، ونفوراً، بين المجتمع الذي يحكمه وذلك الفكر. هنا اضطر المثقفون إلى البحث عن خطاب بلغة مغايرة، وعن طرق بديلة لتأدية أدوارهم، أو اتخاذ أدوار جديدة.. كانت آليات الإقصاء والإدماج تُلزم ظهور حالات مختلفة في مواقف المثقفين من السلطات القائمة، وأدوارهم؛ ( مقاومة، مراوغة، شد وارتخاء، تقيّة، سكوت، امتثال، انصهار في المؤسسة الثقافية للسلطة، الخ ). وكان المثقفون يصطفون في هذه الخانة أو تلك بحسب خلفياتهم السياسية والاجتماعية، وطبيعة شخصياتهم. وبعضهم تنقل بين تلك الخانات مراراً تبعاً لتقلبات المواسم والظروف. وقد اكتست وجهات نظر كثر من المثقفين العرب، حول مستقبل النظام السياسي/ الاجتماعي العربي، لاسيما في العقود الثلاثة الأخيرة، بشيء من التشاؤم. لكن هذا لا يعني بأية حال أنهم كانوا سلبيين إطلاقاً. فمن السذاجة الحكم على المثقفين العرب، بمختلف موجهاتهم الإيديولوجية واتجاهاتهم، في الأوقات كلها، بالسلبية والعدمية واللافاعلية. فما أنتجوه من فكر وفن وأدب ما كان له أن يؤتي ثماره سريعاً وبشكل مباشر، بل إنه كان يحفر في الوعي واللاوعي الجمعي للشرائح المتعلمة من المجتمع، حتى إننا لا نستبعد أن تكون ثورات الشباب العربي الحالية، في جانب منها، نتيجة تأثيرات خلقها المثقفون بطروحاتهم الفكرية وإبداعاتهم في الوعي المجتمعي. وإن باتت أدوارهم (أي المثقفين) التقليدية ووسائلهم القديمة غير ذات جدوى كبيرة في الوقت الراهن.إن سؤالاً من هذا القبيل؛ هل على المثقف الكاتب الانغماس في نوع من الكتابات السريعة والإعلام التعبوي، أم الانتظار، والعمل بروية لإبداع أعمال ذات قيمة فنية عالية، تعد، كذلك، شهادة تاريخية جدية؟ أقول؛ أن سؤالاً

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram