أوس عزا لدين عباسامتد نطاق الجامعات الافتراضية خلال العقد الأخير من القرن العشرين بشكل لافت للنظر ، وأثار هذا الانتشار والتوسع العديد من التساؤلات حول مشروعية هذه الجامعات ، ومدى جديتها بالنسبة للعملية التعليمية ، وتثير هذه الجامعات العديد من القضايا حول مستقبل الدارسين فيها ، ومستوى التعليم بها، وعلاقته بالأوضاع الاجتماعية السائدة في المجتمع ، ومدى الحاجة الفعلية له والمشكلات التي قد تنجم عن هذا الانتشار، وتزايد الأعداد التي سوف تتخرج منها ، وفرص العمل أمامهم وعلاقة هذه الجامعات بالجامعات التقليدية ،
والتعارض بين النوعين ، وأسئلة أخرى كثيرة يحاول المشتغلون بهذا النمط من التعليم الإجابة عنها لتبرير وجوده دون أن تفلح هذه المحاولات تماماً في إزالة هذه الشكوك ، والواقع إن التعليم الجامعي أصبح مطلباً شخصياً مهماً إلى جانب كونه حاجة اجتماعية ماسة تشعر بها كل المجتمعات ، بما في ذلك مجتمعات العالم الثالث بالرغم من ضعف إمكاناتها المادية والمالية ، والتي تعوق تقديمه على المستوى المناسب بالنسبة للمجتمعات الأخرى ، ودون أن تستطيع في أغلب الحالات أن تحقق الهدف الأساسي الذي أنشئ هذا التعليم أصلاً من أجله .ويستخدم مصطلح (( الجامعة الافتراضية )) للإشارة إلى أي تنظيم للتعليم العالي يقدم من خلال تكنولوجيات الاتصال الحديثة ، وخاصة الكومبيوتر والانترنيت ، دون أن يحتاج الدارسون إلى الانتظام في أي جامعة تقليدية تتطلب منهم حضور دروس رسمية في موقع تلك الجامعة ، والالتقاء مع الأساتذة وجهاً لوجه والمشاركة في مختلف النشاطات المختلفة التي تعرفها الحياة الجامعية ، فالهدف إذن من هذه الجامعات هو توفير الفرص للتعليم الجامعي بوجه عام أمام الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بالتعليم الجامعي التقليدي ، كما إن توصيل المعرفة والعلم يتم عن طريق الوسائل والأجهزة الالكترونية دون أن تكون هناك حاجة للاتصال المباشر بين أستاذ وطالب ، بل وكثيراً مالا تكون هناك جامعة حقيقية بالمعنى المتعارف عليه من كلمة جامعة تتكون من جهاز إداري معقد ومنظم وتحكمه سياسة وقواعد ولوائح محددة إلى جانب هيئة أكاديمية تضم أساتذة متخصصين في مختلف العلوم والمعارف التي تقدمها تلك الجامعة لطلابها ، وتتألف من مجموعة من الكليات المتخصصة التي تضم كل منها عدداً من الأقسام التي تقدم برامج ومقررات متخصصة في فصول أو معامل ومختبرات ، يجتمع فيها الأستاذ بطلابه لتلقي العلم منه مباشرة ، وإجراء التجارب المختبرية تحت إشرافه .فهنا إذاً (( جامعة )) لها كيانها المعترف به دون أن يكون بها في الواقع المحسوس والملموس وجود ميتا فيزيقي، ومع ذلك تؤدي المهام نفسها والتي تؤديها الجامعات التقليدية، ولكن بأسلوبها الخاص ، ومن هنا جاءت صفة ((الافتراضية)) والتي تميزها عن الجامعات التقليدية ، فكيانها افتراضي بحت، على الرغم من إن نتائجها ملموسة ، وقد تكون هذه التسمية على سبيل المجاز الصادر عن استخدام الكلمة في مجالات أخرى من تكنولوجيا الاتصال، كما نتحدث مثلاً في لغة الكومبيوتر عن ((الذاكرة الافتراضية))، والواقع إن استخدام لفظ ((افتراضية)) هنا لا يخلو من طرافة وغموض ومفارقة ، فقد يصدق اللفظ إذا اكتفينا بعدم وجود نظام أو كيان ميتا فيزيقي متكامل لتلك الجامعات مما يخرجها عن المفهوم السائد عن الجامعة ، فبعض هذه الجامعات لا يتألف كل هيكلها الإداري إلا من عدد قليل جداً من الأفراد الذين يضمهم مكان صغير ومحدود للغاية ، لأن كل العمليات المعقدة تتم باستخدام أجهزة الكومبيوتر ، فالجامعة التكنولوجية الوطنية في الولايات المتحدة مثلا ، ليس بها سوى تسعة موظفين دائمين طوال الوقت يقومون بكل الأعمال التي يتولاها مئات العاملين في الجامعات التقليدية ، على الرغم من إنها تنسق نشاطها مع إحدى وخمسين جامعة تقليدية ، حسب ما يقول نائب رئيس الجامعة فيها ((كلورا دو جيرالد جونسون)) .وتقدم هذه الجامعة دروساً افتراضية ، بالرغم من إنها دروس حقيقية في واقع الأمر ، ويقوم بإعدادها أساتذة لهم وجود حقيقي ، وإن كانت تلك الدروس ترسل للدارسين عن طريق الانترنيت ، ويقوم الدارسون بأعمال وبحوث حقيقية وواقعية ، ويمضون في إعدادها أوقاتاً وجهوداً حقيقية ، ويدفعون تكاليف ومصاريف حقيقية ، والتي يؤدون فيها امتحانات حقيقية وينالون عنها شهادات حقيقية ، تفتح لهم فرصاً حقيقية للعمل . لقد كانت مشكلة توصيل المعلومات وإتاحة المعرفة لمن لا تساعدهم ظروفهم على الالتحاق بالجامعات بالرغم من رغبتهم القوية في تحقيق هذه الرغبة أو الهدف من الهموم التي تؤرق بال الكثيرين من المفكرين والتربويين بوجه خاص ، وكان إنشاء هذه الجامعات أحد الحلول للتغلب على هذه المشكلة ، ولكن لم تكن هذه الجامعات أول وسيلة للحل ، بل سبقتها منذ عقود طويلة وسائل أخرى تتفق في أساليبها مع الأوضاع العامة السائدة في ذلك الحين على كوكب الأرض ، ولعل أهمها كان نظام الدراسة بالمراسلة التي ظلت قائمة ومفيدة ومثمرة إلى ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، وربما لا تزال قائمة وفعالة ولكن تحت مسميات جديدة ، وبهذا تطورت العملية ذاتها تماشياً مع التقدم التكنولوجي في مجال الإعلام والاتصال ، وقد كان نظام التعليم بالمراسلة معروفاً في عدد من الدول العربية بالاتفاق مع بعض المنظمات في الخارج ولا يزال هذا النظام قائماً بعد تعديله في بعض الجامعات ، والتي لجأت في السنوات الأخيرة وعلى نطاق واسع إلى نظام التعليم المفتوح والتعليم
الجامعات الافتراضية.. وتكنولوجيات الاتصال الحديثة ..
نشر في: 9 إبريل, 2011: 05:24 م