حسين عبد الرازقللمرة الرابعة خلال أقل من شهر واحد يفاجئ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الرأي العام والأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بوثيقة مهمة تتعلق بتنظيم الاطار الدستوري والقانوني والسياسي الحاكم للمجتمع. فبعد التعديلات الدستورية التي صاغتها لجنة من القانونيين وطرحت للاستفتاء العام في 19 مارس/ آذار الماضي ، صدر مرسوم بقانون يجرم الوقفات الاحتجاجية والاعتصام والتجمهر أثناء سريان حالة الطوارئ، تلاه مرسوم بقانون بتعديل بعض مواد القانون 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، وأخيرا الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس والذي يحتوي 62 مادة (غير مادة الاشهار والنشر) تنظم فترة الحكم الانتقالية.
ويبدو هذا الإعلان اقرب ما يكون "دستوراً مؤقتاً" وليس مجرد إعلان دستوري ينظم العلاقات بين السلطات في الفترة الانتقالية .فكثير من المواد الواردة في هذا الإعلان مكانها الدستور الجديد الذي ستتم صياغته وإصداره بعد انتهاء الفترة الانتقالية.وبعيداً عن هذه الملاحظات التي قد تبدو متعلقة بالشكل أكثر منها بالموضوع- رغم أهميتها- فهناك ملاحظات موضوعية عديدة حول مواد هذا الإعلان الدستوري.فالمواد 1و2و3و5 في الإعلان الدستوري هي نفسها المواد 1و2و3و4 الواردة في الباب الأول (الدولة) من دستور 1971 الذي تم إسقاطه بثورة 25 يناير/ كانون الثاني وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطتين التشريعية والتنفيذية في 11 فبراير ، وأخيرا بصدور هذا الإعلان الدستوري.والمادة الرابعة في الإعلان تجمع بين المادتين 55 و56 من دستور 1971 الواردة في الباب الثالث (الحريات والحقوق والواجبات العامة) والتي تتناول الحق في تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات ، والمادة الخامسة من نفس الدستور (الباب الاول) التي تتناول تنظيم الأحزاب السياسية.الأحزاب السياسيةويلفت النظر أن هذه المادة ( الرابعة) من الإعلان اسقطت عمدا من المادة الخامسة في دستور (71) النص على أن النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم " على أساس تعدد الأحزاب" ، كما اسقطت النص على عدم جواز مباشرة الحزب لأي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على " أي مرجعية دينية" مكتفية بعدم قيامه على أساس ديني، وهو ما أكده اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية في مداخلة تليفزيونية لبرنامج "على الهوا" في قناة أوربيت. وعدم النص على منع قيام الأحزاب على أي مرجعية دينية تفتح بابا خلفيا لقيام أحزاب دينية في الطريق لدولة دينية، وتحديداً لجماعة الاخوان المسلمين التي أعلنت في مبادرة المرشد العام في مارس 2004 ومشروع برنامج الحزب2007 مساندتها لقيام "دولة مدنية بمرجعية إسلامية"، وترجمت هذه المرجعية الاسلامية "الدينية" بالنص على ضرورة عرض جميع مشاريع القوانين قبل إصدارها على "لجنة من كبار علماء الدين" لتبين مدي مطابقتها الشريعة الإسلامية، لتؤكد بذلك أن "المرجعية الدينية" هي الباب الخلفي للتحول للدولة الدينية!.أما المادة السادسة من الإعلان الدستوري والتي تتناول الملكية العامة وحرمتها وصيانة الملكية الخاصة وعدم جواز فرض الحراسة عليها الا بحكم قضائي، فهي جمع للمادتين 33 و34 من دستور 1971 في الفصل الثاني (المقومات الاقتصادية) من الباب الثاني (المقومات الأساسية للمجتمع) ، مسقطا المواد من23 إلي 32 من هذا الباب والمواد من 35 إلي39 دون تقديم أي تفسير!.والمواد من 7 إلي 17 من الإعلان الدستوري تشمل المواد من 40 إلي 63 من الباب الثالث في دستور 1971 والخاص بـ"الحريات والحقوق والواجبات العامة". وهذا الباب من أهم أبواب دستور 1971 وأكثرها إيجابية لتطابقه مع مبادئ الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان الواردة في المواثيق والعهود الدولية .ولكن ما يثير القلق هو عدم تضمين الإعلان الدستوري المادة 49 التي تكفل حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، والمادة 52 التي تكفل للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو المؤقتة إلي الخارج ، والفقرة الأولي من المادة53 التي تمنح حق الالتجاء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة ، والمادة 58 التي تنص على أن الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس ، والمادة 59 التي تتناول حماية البيئة، والمادة 60 التي تؤكد " الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة" .ولم يهتم الذين صاغوا الإعلان الدستوري والذين أصدروه بتوضيح الأسباب التي حدت بهم إلي تجاهل هذه المواد الست المهمة ، مما يثير الشك والتساؤل حول موقفهم من الثقافة والفكر والبيئة والوحدة الوطنية... إلخ.ولكن الأكثر أهمية في الإعلان الدستوري ثلاثة أشياء:الأول: سلطات رئيس الجمهورية الذي سيتم انتخابه بعد انتخابات مجلسي الشعب والشورى والتي ستتم خلال ستة أشهر أي قبل نهاية سبتمبر/ أيلول. وقد تناولها الإعلان الدستوري في المواد 25(المادة 73 المعدلة والتي تم الاستفتاء عليها) و26 (المادة 75 المعدلة) و27 (المادة 76 المعدلة) والمادة28 (تابع المادة 76 المعدلة) والمواد 29 و30و31والمادة56 المضافة بالإعلان الدستوري.سلطات مطلقةفطبقا لهذه المواد فإن رئيس الجمهورية القادم سيتمتع بنفس السلطات المطلقة التي تمتع بها رئيسا الجمهورية السابقان (أنور السادات وحسني مبارك) في ظل دستور 1971 .وهي سلطات تحول أي رئيس إلي حاكم مستبد شاء أم آبي. فباستثناء الفقرة الأخيرة الواردة في المادة73 من دستور71 والتي تقول إن رئيس الجمهورية
الإعلان الدستوري.. وخطر استمرار الاستبداد
نشر في: 12 إبريل, 2011: 05:04 م