(الجزء الثاني)حبيب صالح مهدي العبيديأستاذ جامعي / هيئة التعليم التقنيإغراء السياسيينتؤدي الأجهزة الأمنية والاستخبارية في الدول العصرية دوراً حيوياً في دعم الحكومة سياستها المحلية والدفاعية والخارجية عبر تزويدها بالمعلومات الأمنية ذات الصلة وتحليلها ومحاربة أخطار محددة. ومن الضروري أن تكون أجهزة الأمن ومسؤولوها خاضعين للرقابة الديمقراطية بواسطة سياسيين منتخبين ، بدلاً من ان يكونوا مسؤولين أمام أنفسهم وحسب. لكن هنالك خطر حقيقي من ان يقوم السياسيون باستخدام مصادر معلومات هذه الاجهزة (مثل المعلومات التي تتعلق بمعارضين سياسيين)
او استخدام الصلاحيات الاستثنائية (مثل دخول الاماكن خلسة ووضع اجهزة تنصت فيها) ووضعها في خدمة جدول اعمال سياسي لحزب محدد. ولذلك يتعين منع الجمع المحتمل للمعلومات بهدف تشويه سمعة شخصيات او حركات سياسية محلية او التأثير فيها. ولذلك تسعى هيكليات المحاسبة ذات المعايير الدقيقة الى عزل الاجهزة الأمنية والاستخبارية عن سوء الاستخدام السياسي من غير ان تعزلها عن سيطرة السلطة التنفيذية.rnتحدي الإشراف على الاستخبارات في الديمقراطيات الجديدة. تواجه الدول التي انتقلت حديثاً الى الحكم الديمقراطي ، بعد ان كانت محكومة من قبل نظم استبدادية ، تحديا عظيماً، ففي الماضي كانت المهمة الأساسية لأجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات في تلك البلدان تتلخص في حماية القادة المستبدين من شعوبهم بدلاً من حماية الدولة او النظام المؤسساتي ، اذ كانت تلك الاجهزة تؤدي وظيفة قمعية . ولذلك هناك حاجة الى بذل جهود حثيثة لإصلاح الأجهزة الأمنية القديمة وتحويلها الى أجهزة ديمقراطية حديثة. لكن عملية تحويل هذه الاجهزة من أداة قمعية إلى أداة عصرية تحتاج الى مرقبة دقيقة من قبل السلطة التنفيذية ومن قبل البرلمان بشكل اكبر. ومن بين الاصلاحات التي تبنتها العديد من الدول الشيوعية السابقة في أوروبا الوسطى الشرقية منذ عام 1989 والتي تحولت الى دول ديمقراطية ، هي إيجاد صيغ دستورية تكون فيها الاجهزة الامنية مزدوجة الرأس يكون بموجبها (الرئيس) مسؤولاً عن بعض الوظائف المهمة ( مثل تعيين المدراء) ، فيما تسند القضايا اليومية الى (رئيس الوزراء) . وربما يمكن تعليل هذه الصيغة بالقلق من وجوب عدم احتكار رئيس السلطة التنفيذية استخدام الاجهزة الامنية. لكن الأجهزة الأمنية الاستخبارية في جمهورية التشيك واستونيا ولاتفيا وليتونيا ، ورومانيا ، وسلوفيكيا ، اساءت استخدام هذه التركيبة المزدوجة وعملت على الأتباع بين رئيس الوزراء والرئيس ، او التهرب في بعض الأحيان من الرقابة برمتها.دور الحكومة تستند السلطة النهائية وشرعية أجهزة الأمن إلى الموافقة التشريعية على سلطاتها ، وعملياتها ، ونفقاتها ، لكن لاسباب عملية وأسباب تتعلق بالطبيعة الحساسة فضلاً عن الطابع الملح للقضية ، يتعين ان تستند الرقابة الخارجية الفاعلة لهذه الأجهزة الى الحكومة ، أي السلطة التنفيذية . لا يوجد تضارب ذاتي بين السيطرة التنفيذية الفاعلة والرقابة البرلمانية ،بل على النقيض من ذلك تعتمد الأخيرة على الأولى. ان الوزراء المسؤولين عن اجهزة الأمن بحاجة الى نوعين من السلطات لكي يقوموا بمسؤولياتهم : توفر درجة كافية من السيطرة على اجهزتهم ، وحق طلب المعلومات منها .يحق للوزراء ان يتوقعوا ولاء الأجهزة الكامل في تنفيذ سياسات الحكومة بما يخدم مصالح البلاد . كما انهم بحاجة الى صلاحيات ومعلومات مناسبة لكي يكونوا قادرين على تبرير استخدام صلاحياتها القانونية ونفقاتها امام البرلمان.تبرز مشكلة يصعب فيها رسم خط دقيق فاصل بين مسؤوليات كل من الوزراء الأمنيين ورؤساء الأجهزة الأمنية . وعلى الرغم من ذلك ، يتوفر نموذج مفيد ، وهو قانون اجهزة الاستخبارات الأمنية الكندية(CSIS) الصادر عام 1984 ، والذي يُعرف مدير الجهاز الأمني بأنه( الذي يملك حق السيطرة على الجهاز وإدارته وتوجيهه) من الوزير المسؤول ويتضمن التشريع الاستخباري البولندي بنداً يميز بوضوح بين صلاحيات رئيس الوزراء (الذي يقدم التوجيه) ورؤساء الأجهزة (الذين يرسمون الخطط ويقدمون التقارير الى البرلمان ومن خلالهم الى الشعب). وربما يكون من الضروري ، وبخاصة في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقال ديمقراطي ، اذ سبق طمس الخط الفاصل بين الحكومة المدنية والأجهزة الاستخبارية ، تعداد محضورات مفصلة لمنع الانتهاكات المستقبلية . وعلى سبيل المثال ،يملك رئيس مجلس الوزراء في البوسنة والهرسك بموجب تشريع عام 2004 عدداً من الوظائف السياسية والرقابية المُفصّلة ، ولكنه ممنوع صراحة من امتلاك حقوق ومسؤوليات المدير العام للاستخبارات او نائبه ( بشكل كامل او جزئي).ومن التدابير الوقائية من سوء الاستخدام الوزاري للأجهزة الأمنية ، تنطوي مراقبة السلطة التنفيذية للقطاع الامني على مخاطر محتملة تتطلب تدابير وقائية إضافية.أولاً:- اذا كانت الحالة تستوجب السرية الفائقة ،ينبغي على الحكومة ان تتعامل مع المعلومات التي حصل عليها الموظفون الحكوميون على انها ملكية خاصة بها . وربما تحاول السلطة التنفيذية حجر المعلومات التي لها علاقة بالمساءلة الامنية او تمنع من اتخاذ إجراءات تعتبر مسائل مشروعة تهم الجدل العام بحجة الامن القومي. ثانياَ:- ربما تقوم السلطة التنفيذية باستخدام الأجهزة الأمنية او صلاحياتها في جمع معلومات لكي تعزز موقفها. ولذلك من المستحسن الى حد بعيد فرض إجراءات وقائية تسمح للموظفين برفض التعليمات الحكومية غير المعقولة من السياق الأخير. يمكن استخدام أ
فـي المساءلة الديمقراطية لأجهزة الأمن
نشر في: 13 إبريل, 2011: 05:06 م