فائز الياسري ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها وعاد الملايين الى ديارهم، حتى بدات الريبة والشك من التوجه الستاليني المتعاظم في شرق أوروبا وأعالي آسيا، وهذا ما عبّر عنه بشكل واضح ( تشرشل). وبدات تتبلور الصيغة الفعلية لحرب الانابة او ما اطلق عليه (الحرب الباردة) وهو الصراع بين العالمين الرأسمالي بقيادة أميركا والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي.. وكانت الحرب الكورية عام 1951 اولى خطواتها وتتالت تلك الحروب من حرب فيتنام وحروب الشرق الاوسط اضافة الى معارك
نشبت بين حلفاء لهذا الطرف او ذاك كما في التوتر بين تركيا واليونان وهما حليفان لاميركا، والصراع الدامي بين (الرفيقين) الحليفين للاتحاد السوفيتي (محمد سياد بري و منغستو هيلا مريام.. اي بين الصومال واثيوبيا).بعد سقوط جدار برلين وتفرد امريكا بالقرار الدولي، تراجعت الحرب الباردة، ويمكن القول انها قد ركنت في زوايا النسيان.واليوم يشهد الشرق الاوسط حربا باردة (إقليمية) بصيغة جديدة تتصدرها هذه المرة ايران التي بدأت تُنشّط بؤر توتر محلية في المنطقة بما يخدم سياستها وما يحافظ على ديمومة نظامها من خلال مناطق صراع موالية لها، مما دفع بالسعودية، باعتبارها صاحبة المركز المالي الاول بفعل عائدات النفط، للدفاع عن مواقع نفوذها المهددة فكان التدخل السافر في شؤون العراق الداخلية منذ عام 2003 وحجم الضرر الكبير الذي لحق بهذا الشعب، ثم جاءت احداث لبنان عام 2005، وحتى الآن لتدفع بهذا الصراع الى الواجهة بشكل حاد، تجلى في دعم السعودية (لتيار المستقبل او قوى 14 آذار) والإصرار على المحكمة الدولية ودعم حكومة الرئيس سعد الحريري، بينما زجت ايران بكل ثقلها لدعم قوى 8 آذار وخاصة حزب الله مما وضع هذا البلد على برميل من البارود قد يؤدي انفجاره الى تداعيات تعصف بكل المنطقة. وكانت البحرين جزءاً من هذا الصراع والتي دفعتها الى واجهة الاحداث. وحتى العراق الذي عصفت به المشاكل المحلية وعجز عن إيجاد الحلول لها، لم يجد سياسيوه انفسهم في معزل عن هذا الصراع في تصريحات مدوية ذات طابع طائفي انعكست سلبا على مستقبل البحرين وشعبه ودفعت بمجلس التعاون الخليجي الى عدم المشاركة في القمة العربية المقبله في بغداد.ان انتصار الثورة في ايران عام 1979 وصعود تيارات اسلامية في تركيا مطلع الثمانينات وتوقيع مصر لاتفاقية (كامب ديفد) اسقط وبشكل نهائي ورقة القضية الفلسطينية من ايدي دعاة العروبة والقومية.. واصبحت ايران من خلال حركة حماس وحزب الله هي اللاعب الاساسي لهذه الورقة، أما تركيا، التي عجزت حتى الآن عن الدخول في الاتحاد الأوروبي، لم تجد بداً من إرسال مساعدات (لكسر الحصار عن غزة).ومرة اخرى تعود الحرب الباردة الى المنطقة من خلال دول اقليمية ، وهذا دليل على هشاشة المنظومة العربية واعتمادها على رافد واحد لتحفيز (الجماهير) ولو بشكل مؤقت دون ان تقدم لشعوبها حلولا عقلانية بعيدة عن المزايدات والاناشيد الحماسية التي ظلت تصدح دائما (مرحباً يا معارك المصير!!).
حربٌ باردة من جديد!
نشر في: 16 إبريل, 2011: 06:56 م