بقلم / فخري كريم اكتسح الغضب الشعبي النظامين الشموليين التونسي والمصري، ولا يزال هذا الغضب يواصل خوض أكثر من جولة دامية لإزاحة العقيدين الملتاثين، القذافي وعلي عبد الله صالح، ويواصل زحفه على ملكيات وجمهوريات لم تتعظ بعد من مصائر أنظمة ورؤساء، ثبت أنهم أشباه رجال بمجرد انزياح هيبة السلطة عنهم وانطفاء أضوائها وتسللها من قصورهم ليرافقهم إلى معتقلاتهم وسجونهم.
تداعيات صعود الغضب إلى عروش وكراسٍ رئاسية وراثية ستستمر بالتفاعل لتطيح ببعضها وتعيد تكييف البعض الآخر، لكنها وهي تفعل ذلك، ستدفع رغم المقاومة والتسويف باتجاه خلق بيئة سياسية جديدة يتهاوى بتأثيرها ما ظل سائداً منذ تشكل الدول العربية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.لقد أنتجت الدول المذكورة في مجرى تكونّها، والانقلابات التي تعرضت لها بين حين وآخر أنظمة ملكية وجمهورية شمولية استبدادية، صاغت لنفسها وفيما بينها أنماطاً من العلاقات وأُطراً تنظيمية عربية وإقليمية ودولية تتناسب مع طبيعتها وتستجيب لمصالحها، وتشكل عامل حماية لها في مواجهة شعوبها. وبسبب الطابع القمعي لهذه الأنظمة، فإنها لم تكتف بتكريس الأطر الرسمية العربية لتعبر عن سلطتها المطلقة بتحديد دورها الذي لا يخرج عن إرادة كل دولة فيها، عبر ما جرى التعارف عليه في مختلف صيغ وأطر العمل العربي المشترك، بضرورة "الإجماع" على أي قرار أو عمل أو نشاط، بل استطاعت هذه الأنظمة أن تجرد أي إطار مشترك "شعبي"، بغض النظر عن طابعه المهني أو الإنساني أو الثقافي أو غيرها من الاستقلالية التي تمنحها قدراً من التأثير أو الفعالية أو المصداقية. ولم يكن ممكناً غير ذلك، إلا باستثناءات محدودة، وفي فترات تاريخية ارتبطت بتحولات شبه ديمقراطية في هذا البلد العربي أو ذاك، أو اقتراناً بصراعات ومحاور حتّمت احتضان أو دعم مبادرات لمنظمات وتجمعات عربية شعبية، لكن هذه أيضاً لم تكن تتمتع سوى بهامش من الاستقلالية لا تخرج عن التصور العام للدولة أو الدول الراعية والداعمة لها التي كانت تسعى بشكل مستمر لإخضاعها لنهجها ومواقفها عبر أجهزتها أو المنظمات التابعة لها. وهذا الوضع أراح الأنظمة الاستبدادية ومكنها من معالجة أزماتها الداخلية والإمعان في شل إرادة شعوبها وقمعها، دون خشية كبيرة من إثارة ضجيج خارجي متعاطف، خصوصاً في ظل تواطؤٍ دولي اميركي وأوربي بحكم تحالفاتها وهيمنتها على قرار الأنظمة العربية أكثر مما هي عليه الآن.إن نظرة موضوعية إلى مسيرة ودور جميع الأطر العربية الرسمية، بدءاً بالجامعة العربية وقممها وما يتفرع عنها من تنظيمات وقرارات، سيتبين أنها لا تخرج عن سياق شكلاني لا مضمون موحداً فيه ولا تأثير له على المصائر المشتركة أو على مواجهة التحديات أو درء المخاطر عن هذا البلد العربي أو ذاك. المقال كامل ص3
الافتتاحية :نهايةالنظام العربي الرسمي:حقبة أفول الملكيات المطلقة والجمهوريات الوراثية
نشر في: 17 إبريل, 2011: 09:46 م