ترجمة: عادل العامل يقول فيليب ميْيَر: إن الأنترنت يدمّر نموذج عمل الصحف القديم بطريقتين . فهو ينقل المعلومات بكلفة صفر قابلة للتغيير ، الأمر الذي يعني أنه لا يواجه عوائق للنمو ، بخلاف الصحف ، التي عليها أن تدفع تكاليف الورق ، و الحبر ، و وسائل النقل بتناسبٍ مباشر مع عدد النسخ المنتَجة . و تكاليف الدخول إلى الأنترنت منخفضة . فكل مَن لديه كومبيوتر يمكنه أن يُصبح ناشراً ، كما أظهر مات دراج حين أذاع قصة مونيكا ليفينسكي في عام 1998و طلعت علينا مدوّنات لا تعد و لا تحصى بعدئذٍ . و فوائد الكلفة هذه تجعل من المناسب أو المعقول تكوين عمل تجاري من المعلومات العالية التخصص ، و هو اتجاه كان قائماً قبل الأنترنت .
و إذا عدنا إلى عام 1966 ،نجد أن عالم الاجتماع ريتشارد مَيسِل قد قدّم تقريراً عن ذلك في المؤتمر السنوي للاتحاد الأمريكي لبحوث الرأي العام في سوامبكوت ، بمسَشوسيتس . فقد كانت وسائل الإعلام المتخصصة تتمتع ، منذ الحرب العالمية الثانية ، بالنمو أكثر من وسائل الإعلام العامة . و كان ذلك صحيحاً عبر جميع البرامج . و كانت المجلات الفصلية ، بجماهيرها المحدودة ، أفضل أداءً من المجلات الشهرية ، والشهرية أفضل أداءً من الأسبوعية . و كانت صحف و مجلات الجماعات تنمو أكثر من تلك التي في العواصم . و كان التأثير ظاهراً للعيان حتى في مسرح نيو يورك . فإنتاجات غير برودوَي Off-Broadway ، بمسارحها الأصغر و مضمونها الأكثر تخصصاً ، كانت تنمو أكثر من تلك التي ببرودوَي . و قد قابلتْ صحف ما بعد الحرب تحدي التخصص بشكلٍ جيد نوعاً ما لفترة من الوقت . و صارت صحيفة العواصم فسيفساءً من المواد المستهدفة على نحوٍ ضيق . و كان القليلون يقرأون الصحيفة بكاملها ، لكن الكثيرين يقرأون الأجزاء التي تناشد اهتماماتهم المتخصصة . و ما زلتُ أتذكر زميلاً من متدربي البحرية في عام 1953، حين كانت الحرب الكورية قائمةً . و كان يشتري الصحيفة بحماس كل يوم . و بدلاً من البحث عن أخبار الحرب ، كان يحل لغز الكلمات المتقاطعة ثم يرمي الصحيفة بعيداً . و كان يقول لي : " ألغاز الكلمات المتقاطعة ، ذلك ما تفلح فيه جميع الصحف " . و قد أكد تسويق الصحف منذئذٍ على الطرقٍ الكفيلة بإحسان انتقاء المواد المناسبة لفسيفساء مثل تلك الاهتمامات النوعية إلى درجة عالية . ويـــــــرى روبرت بيكارد ، و هو اقتصد وسائل إعلام ينظر إلى الصحف من منظور عالمي ، أنها تحاول أن تفعل الكثير جداً . و قال إن الصحف " تظل توفر ( مائدةً من كل ما يستطيع المرء أن يأكله ) من المضمون ، و تظل تقلل من نوعية ذلك المضمون لأن ميزانياتها المالية أخف على نحوٍ مستمر . و هذا خيار غير معقول لأن جمهور القراء الأقل اهتماماً بالأخبار قد تخلّى الآن عن الصحيفة . "والصحف التي ستواصل البقاء مع قدرة الانترنت على مخاطبة جمهور معين ستفعل مثل هذا على وجه الاحتمال بنوعٍ ما من المضمون الهجين : تحليل ، و تفسير و نشر تقارير تحقيقية في إنتاجها المطبوع الذي يظهر بشكل أقل من اليومي ، بالاقتران مع تحديث updating مستمر و تفاعل من القراء على الشبكة .غير أن الوقت بالنسبة لهذه الستراتيجية يتضاءل إن لم يمر الآن . فسمة الانترنت الأقوى الآن أنه يشجع الابتكار المنخفض التكلفة ، و بإمكان أي واحد أن يتصرف كما يرى . و يخجلني أن أُقر بأن كتاب ( الصحيفة المتلاشية ) لا يتضمن أي ذكر لكريج نيومارك ، الذي يرى تقوية الحافز الشعبيّ الروح ، و الذي يدعوه أهل الأعمال بـ " المنافس السيىء " لأنه يظهر مهتماً بخدمة المجتمع من تكوين المال . و هو يكوّن المال بالفعل عن طريق زج أنواع جديدة من المستعملين ، لكن الجزء الكبير من خدماته مجّانٍ . فهو مثل هنري فورد الذي قام ، بعد تقديمه الـ Model T ، بتخفيض الأسعار ، و زيادة الأجور ، و التركيز على حصة السوق و ليس تصعيد الأرباح . إنني ما زلت أعتقد بأن أهم نتاج للصحيفة ، النتاج الأقل تعرضاً للتبديل ، هو تأثير الناس الذين تتوجه إليهم . و هي تكسب هذا التأثير من خلال كونها المصدر الموثوق به للأخبار ، و التحليلات و التقارير التحقيقية المنتَجة محلياً حول الشؤون العامة . و المعلومات عن هذه الشؤون و غيرها متوفرة بكثرة اليوم ، و بالتالي فنحن بحاجة اليوم إلى معلومات معالَجة كما حصل في الزراعة بالنسبة لبعض الأغذية . و المادة الخام لهذه العملية هي الصحافة القائمة على الشاهد أو الدليل evidence-based ، و هو ما لا ينتفع فيه المدوّنون bloggers . و ليس كل القرّاء يطلبون مثل هذه النوعية ، و إنما سيطلبه اللبّ المتعلم ، والقائد للرأي العام و المسوّق للأخبار ، من الجمهور القارىء للصحف . و هم سيصرّون على ذلك كدفاع ضد " معلومات الاتصالات communication الإقناعية " ، التعبير البديل للإعلان ، و العلاقات العامة و التلفيق ، الذي يستغل تشويش المعلومات المتراكَمة . و يحتاج القرّاء و يريدون أن يكونوا مزوَّدين بدفاعاتٍ قائمة على الحقيقة . ويمكن أن تكون لدى الصحف فرصةً إذا ما استطاعت أن تلبّي هذه الحاجة بالاستمرار على نوع من المضمون الذي يمنحها تأثيرها الجماعي الطبيعي . وللحفاظ على الموارد الكفيلة بذلك ، سيكون عليها طرح المواد التافهة من مائدة المضمون . لقد عرف أفضل الناشرين على الدوام أن للثقة قيمة اقتصادية . و لقد أوردتُ في ( الصحيفة المتلاشية ) تقريراًعن أن أسعارالقيام بالإعلان قد ازدادت بنسبة 3.25 دولار لكل ( وحدة إعلان قياسية ) مقابل زيادة كل نقطة مئوية لدى أشخاص قالوا إنهم يصدقون ما يقرأون في الصحيفة
الصحف فـي زمن الانترنت
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 18 إبريل, 2011: 06:05 م