الكتاب: بلا ندم، حياة أديث بيافتأليف: كارولاين بوركترجمة: ابتسام عبد اللهكسب الغناء الفرنسي في عام 1933، صوتاً لا يُنسى، وكانت صاحبته، أديث بياف التي أُطلق عليها لقب،"عصفور فرنسا الدوري"، وقفت بياف للمرة الأولى على المسرح وهي ترتدي فستاناً بسيطاً اسود اللون، ولها شعر قصير أسود، يعلو عينين حزينتين. وكانت معظم أغنياتها تحكي عن حياة الطبقة العاملة ومعاناتها، وكان كل ما احتاجت إليه من اجل بث الحياة في أغنياتها: وجه معبر ويدان وصوت ينقل الأحاسيس ويبث الحياة في تلك الأغنيات.
ومن أشهر ما غنت،"عازف الاركورديون"، التي كتبت لها عام 1940، وغدت إحدى العلامات البارزات في حياتها، وعندما غنت عن بائعة هوى ذهب حبيبها الموسيقي إلى الحرب ولم يعد منها، كانت حركات بياف تتناغم مع الكلمات، وهي تطوح بيديها في الهواء مع الموسيقى.وقد أدرك المستمعون ان حزنها لم يكن مفتعلاً او نوعاً من التمثيل: فطوال حياتها، كتبت الصحف الكثير عن تعاستها، الطفولة والفقر، والاستسلام، وتناولت والدتها جرعة زائدة من عقار أدت الى وفاتها، ثم وفاة بطل الملاكمة مارسيل كيردان، حبها العظيم، في حادث طائرة، ومرضها وعذابها وانجرارها نحو المخدرات. ومع كل تلك المعاناة، تحدت اديث بياف كل من أشفق عليها، بغنائها،" بلا ندم"، لقد احتضنت الحياة برغبة، حتى ان كانت شديدة القسوة عليها، ما دامت تنقل تلك الأحاسيس التي تنتابها الى أغنياتها. وتصميم بياف على المضي أماماً، اعتبر عملاً بطولياً، ولكن جسمها الضعيف لم يحتمل كثيرا، فسقطت مريضة، وفارقت الحياة في 1963 عن 47 عاماً.وبياف مثل جودي غرالاند (نجمة الغناء الأمريكية)، التي توفيت في مثل سنها، ما تزال تجعل حياتنا أفضل بأغنياتها وقد نال الفيلم المأخوذ عن سيرة حياتها،"من اجل الزهرة"،جائزة الاوسكار، مؤكداً محبة الناس لها.وكتاب كارولاين بورك،"بلا ندم، حياة أديث بياف"، يعبّر عن المكانة التي وصلتها المغنية، عذبة الصوت، بين الناس. وتقول بيرن توث، صديقة لها، في مرحلة الصبا، أن الناس لديهم فكرة خاطئة عن حياتها. ولم تكن حزينة، بل تحب الضحك، وكانت نشرت كتاباً عن حياتها في عام 1972، يتضمن معلومات كثيرة لم تنشر في كتب نشرت قبل ذلك التاريخ.وقد ولدت أديث بياف في ضواحي باريس، عام 1915، باسم اديث جيوفانا غاسيون، ونشأت مهملة من قبل والدها، وكان لاعب الكروبات في سيرك متجول، ومهملة أيضاً من والدتها المغنية التي كثيراً ما سُجنت بسبب إدمانها المخدرات، ومن جدتها، التي كانت تدير المبغى، الذي أرسلت اديث الصغيرة لتعيش فيه. ولم تكد تشفى من مرض كاد يصيبها بالعمى، حتى أخذها والدها إلى احد المقاهي لتغني مقابل بقشيش تحصل عليه.وفي عام 1933، انتقلت الى البيغال، الحي ذو الألوان الحمر، وحصلت على عمل للغناء في حانة سيئة السمعة-"لولو" وكانت ترتاد تلك الحانة، نماذج رديئة- وساقطة من الناس، ومع ذلك أحست انها وجدت نوعاً من حياة عائلية، وهناك بدأت تشدو أغنياتها الحزينة التي تعبر عن اليأس ومعاناة المسحوقين.وفي عام 1935،وبينما تغني في الشوارع من اجل النقود، قابلت أول من اعتبرته والداً، وهم عديدون، والذي ساعدها لتكون إديث بياف التي نعرفها الأسطورة. وثم تعاقد معها لويس ليبلي للغناء في الكباريه الذي يملكه. وقد اشترى ليبلي أول فستان اسود، وسماها بياف (الاسم الشعبي للطائر الدوري). وتقول المؤلفة إن اديث غنت عن كل ما عانته في طفولتها. وكان غناؤها أفضل في الأعوام الأخيرة من حياتها.وفي نهاية ذلك العام، كانت قد غنّت في فيلمها الأول، وعندما قتل ليبلي من قبل احد رجال العصابات، وجدت بياف شخصاً آخر يرعاها وهو كاتب الأغاني رايموند آسو. عاشا معاً عامين، وحوّل كلّ ذكرياتها إلى أغنيات، مطوّراً صوتها، مرتفعاً بها عن أسلوب الغناء في الشوارع.وفي نهاية الثلاثينيات، ارتفعت بياف الى قمة الغناء الفرنسي الراقي، وقد اختارت الغناء للحشود، وأغنيتها "من أجل الزهرة"، وصلت القمة في 1946، ولكن المعجبين فضلوا بياف الحزينة، ومنحتهم ما أرادوا، حتى في الأربعينيات، عندما كانت وصلت القمة، والرخاء. وقد تعلمت الكثير من مغنين آخرين ومنهم ايف مونتان وجارلز ازنافور وليو فيري. وقد كانت لها علاقات متعددة، ولكن الحب أصبح وسيلتها للغناء،ولم يكن للموسيقى معنى ما لم يكن بوحاً لحب.وفي عام 1951، حدث أول اصطدام سيارة لها، ثم جاءت حوادث أخرى. وإدمانها على العقاقير المهدئة للألم جعلها تسقط مرات عدة على المسرح في أثناء غنائها. حتى توفيت عام 1963.والكاتبة، تقدم هذه السيرة عن مغنية فرنسا بياف، بشكل يثير التقدير والإعجاب. وهي تعتمد في ذلك على مصادر عدة، بعضها ضعيفة وليست دراسات علمية عن أغانيها او صوتها. كما انها تقدم ما هو معروف عن حياتها،مبتعدة عما يسيء اليها إذ كان معروفا عنها كونها امرأة قاسية، ويقول آخر أصدقائها،"كانت تقول قبل وفاتها، إن الناس لا يحبونها".rn عن/ النيويورك تايمز
إديث بياف: عصفور فرنسا الدوري
نشر في: 18 إبريل, 2011: 06:12 م