علي حسن الفوازهل يمكن ان نراهن على مستقبل للثقافة العربية؟ وهل يمكن لهذه المراهنة ان تصنع ما لم تستطعه السياسة؟ وهل يمكن للثقافة العربية التي ظلت تتفرج كثيرا على حروب المحاربين وازمات السياسيين، وعلى المذابح الطويلة التي أكلت كثيرا من جروف الزمن العربي؟ وهل يمكن ان تمارس هذه الثقافة-خاصة في مرحلة مابعد الثورات- نمطا آخر من(التفكير)ومن صناعة المشاريع، ومن اعادة النظر في علائقها مع السياسي والاجتماعي والامني؟
وهل ستمارس هذه الثقافة-اقصد مؤسساتها ومدونوها وأبطالها- خرقا استثنائيا في الجدار القديم المحكوم بنظرية ولي الامر، والمستبد العادل والثوري الدائم وصاحب نظرية الفرقة الناجية؟ وهل ستضع هذه الثقافة منظوراً جديدا لمفهوم الطائفة والطائفيين الذي يحكمنا باجتهاداته بنوع من القهر اللاشعوري، والذي حوّل هذه الثقافة الى عقدة أمنية واخلاقية وتكفيرية اسقطت السياسي والامني وحتى الثقافي المهني في حبائلها؟ وهل ستعيد الثقافة وأقصد مرة أخرى مؤسساتها النظر في مفهوم المواطن الثقافي وصلاحيته للمستقبل، وقدرته على إعادة النظر بكل التاريخ العربي المحشو بالازمات والحروب والحكام والاستبداد؟هذه الاسئلة قد تبدو استعراضية، لكنها تلامس جوهر ماورثناه من قبح ثقافي، ومن مساوىء باهظة في التفكير، وفي فرض الاستبداد على الروح والفكر والجسد والكلام، فضلا عن ان هذه الاسئلة هي مفتاح لفك الاشتباك مابين المحاربين الذين ظلوا يحملون الرايات لحروب لاتخصنا. تاريخ الثقافة العربية كما يبدو لي اقترن بظاهرة الفرجة، واستعارة نظام الحكواتي الذي ظل يحكي عن فرجة الحرب في حكايات ابو زيد الهلالي والزناتي خليفة، وفي حكايات عنترة، وغيرها ممن تستبطن اوهاما عالية في التخيّل والبطولة، والتي تترك عقل المتفرج خاضعا الى نوبات عاتية من التلذذ والتعويض ازاء مايعيشه من هموم ومظالم ومظاهر عاتية من الخوف والجوع والحرمان..ما أود قوله، هو ان يعيد اصحاب الثورات والاحتجاجات الثقافية، وثوار الفيسبوك النظر بملفات هذه الفرجة، والنظر في اجنداتها القديمة والعاطلة ليكتشفوا حجم البؤس الذي اسقطتنا به السياسة العربية في مناطق شوهاء ولزجة من الصعب الفكاك عنها، مثلما هي الدعوة لان يعيد المثقفون العرب الذين يسوقون يوميا اطنان المقالات في الشرق والغرب وجهات نظرهم وماتكرس في برامجهم المغشوشة ازاء مايحدث في الواقع، وان يقفوا ولو للحظة واحدة، لكن صادقة لتأمل ما فعلت كتابتهم الراحلة مع الريح، والدعوة موصولة كما يقال إلى المؤسسات الثقافية لكي تراجع موازناتها ومواقفها وبرامجها لكي تمارس شيئا من سلطتها الاخلاقية والمعرفية باتجاه اعادة النظر بالكثير من المشاريع الثقافية بعيدا عن سلطات الحكومات ومرجعياتها الظاهرة والمسكوت عنها، والتي على ما يبدو انها فقدت الكثير من كارزماتها القديمة ولم يبق من هيبة بعضها إلاّ غلظة المؤسسات الامنية والتي لاأظن انها ستقاوم طويلا هذا المدّ العاتي. أحداث البلاد العربية بدءا من تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والاردن والمغرب والجزائراثارت جدلا متناغما، وربما مواقف غربية وعربية متقاربة، اذ كلها تدعو الى التغيير والاصلاح واعالدة النظر في علاقة السلظة بشعوبها، لان هذه الانظمة تحتاج الى التغيير فعلا، وحين حدث الامر في السعودية والبحرين وعمان تغيرت النغمة!! وتحولت وجهة النظر الغربية والعربية الى اتجاه آخر، إذ حضرت(الفرجة الطائفية)المقيتة، والمصالح والحسابات والتي لاتشذ عنها الولايات المتحدة وفرنسا، صاحبتا النظريات الكونية بالحرية والمواطنة الكونية..فما الذي جرى!! هل الشعوب هنا تختلف عن الشعوب هناك؟ وهل إيران هي البعبع الحقيقي الذي يخشاه الجميع؟ وهل النظر الى الحرية والديمقراطية والمواطنة يتحمل هذا التقطيع وهذه المواقف المتشظية؟ ولماذا صمتت الثقافة العربية عن الكلام المباح، حينما مسّت الثورة هذه المناطق؟ وهل كوثر البشراوي الإعلامية التونسية هي اكثر جرأة من كل رجالات الثقافة العربية لتقول ان مايحدث في السعودية والبحرين هو ظلم سياسي واجتماعي، وان على الجميع مراجعة هذه الملفات حتى لانكون شاهدين على قتلة اهلنا، مثلما كنا شاهدين على مذابح شعوب فلسطين والعراق؟ان فرجة الثقافة العربية تحتاج الى تقعيد حقيقي، والى وضوح بوظيفة الرؤية بعيدا عن اجتهادات ولاة الامور وفتاوى التكفير والزندقة والخروج عن الامة والملة، وحسابات النفط، ونظرية الطائفة الناجية، لكي نقول وبوعي كامل ان الخراب العربي واحد، وان حكام ماقبل الحرية، هم الاكثر عرضة للتغيير، لانهم حكام عاطلون عن انتاج لذة الحرية وحق الحرية، وان من لاينتج الحق والحرية عليه ان يترك الساحة لغيره!! او ان يقف امام(مرآته)العائلية ليراقب تغضنات وجه، وطبيعة الشيخوخة التي عبرت جسده، لكي يحسب حسابه ويراجع ملفاته ونشاطه البايولوجي والاخلاقلوجي! لكي لاتصل الشيخوخة الى روحه وكلامه، وبالتالي فإنه سيسقط في الهذيان..رغم قسوة الفرجة السياسية التي وضعتنا عند الكثير من الهزائم والخيبات والهموم، لكن المهم في الموضوع هو الفرجة الثقافية التي مازال يمارسها للاسف الكثير من المثقفين العرب، وتمارسها المؤسسات الثقافية العربية التي فقدت أي دور أو اية مسؤولية، اذ ان هذه الفرجة هي ذاتها التي تعانيها مناطق معينة عامر
السياسات الثقافية العربية وصناعة الفرجة
نشر في: 18 إبريل, 2011: 06:23 م