TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ممارسة الليبرالية.. كنموذج لممارسة الحكم..

ممارسة الليبرالية.. كنموذج لممارسة الحكم..

نشر في: 20 إبريل, 2011: 06:12 م

أوس عز الدين  عباسالليبرالية هي اقتناع فكري ومفهوم اجتماعي تؤمن به النخب الواعية في أي مجتمع ، لإعلاء شأن الناس ومقاومة الاستبداد ، وظلت الليبرالية كنزعة تحررية ، ومجرد أفكار نادى به العديد من المفكرين عبر التاريخ منذ فلاسفة الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد ، وحتى القرن الثامن عشر ، ولم تتحول الى تيار فكري وتوجه اجتماعي يتعلق بممارسة السلطة وتنظيم المجتمع إلا بفعل تطورات عرفتها أوروبا منذ عصر النهضة ، وقَد اكتسبت مفهومها الإنساني ونزعتها الفردية مع الحركة الإنسانية في القرن السادس عشر ،
 وحققت نزعتها النقدية ونظرتها التحررية مع حركة التنوير في القرن الثامن عشر، وفرضت تصورها الاجتماعي بفعل تحولات الثورة الصناعية في النصف الأول من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تيارا عالميا تجوز خصوصيته الأوروبية ليكتسب طابعا شاملا بفعل الاندماج الكوني الذي كرسه الاستعمار وأكدته الحركات التحررية وساعد عليه تطور المواصلات وتبادل الأفكار .لقد أصبحت الليبرالية تعبيرا عن اقتناعات فكرية ومفهوم اجتماعي وموقف ، آمنت به وعملت على تطبيقه القوى الدافعة للمجتمع والمتمثلة في النخب الواعية بمتطلبات عصرها ، والمؤمنة بدورها في صياغة مشروع ((تنظيم المجتمع وبناء الدولة الحديثة))، وينطلق من خصوصية الفرد كمواطن وينتهي بضمان إرادة الشعب صاحب السيادة الحقيقية ، ويمس جوهر العلاقات الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية والفكرية ، بحيث أصبحت بمفهومها العالمي ونزعتها الإنسانية التحررية مناهضة للنزعة الاستبدادية ، سواء كانت هذه النزعة تعبيرا عن الميول الاشتراكية أو الأفكار المحافظة اليمينية منها والقومية، أو تكريسا لتقاليد الحكم الفردي وبجميع أشكاله .وتمارس الليبرالية كمنهج عملي لمؤسسات الدولة ومحفز لقدرات الفرد ومفعل لطاقات المجتمع بالالتزام بمبادئ منظمة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ولعل أهمها الإيمان بالنزعة الفردانية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقه في الحياة ، وهذا ما يشجع على رفض اليأس والحقد والتعصب ويدعو إلى التفاؤل والتفتح للمستقبل ، وكذلك تكريس المساواة واعتبارها أساسا للتعاون ومنطلقا لاحترام الآخر ، فتحقيق المساواة وضمان حرية الفرد هي أساس الديمقراطية الليبرالية ، والتي ترفض إقرار الامتيازات الوراثية خارج التفاوت الاجتماعي في المكانة والمركز ، بحيث تضمن المساواة لكل واحد حسب اقتناعات ((طوكفيل)) ، والأخذ بالمنافسة الحرة واحترام حرية المبادرة ، بحيث لايكون للدولة أي دور في العلاقات الاجتماعية أو النشاطات الاقتصادية ، إلا في حالة إلحاق الضرر والإخلال بمصالح الفرد أو المجتمع ، بالإضافة إلى العمل على تكريس سيادة الشعب عن طريق الاقتراع العام ، باعتباره تعبيرا عن إرادة الشعب ووسيلة فعالة لتخليص المجتمع من العراقيل والضغوط والفساد ، وهذا ماعبر عنه الزعيم الليبرالي الفرنسي ((ليون جومبيطة)) سنة ((1869)) في مخاطبته البرلمان بهذه العبارة : ((أعتقد ألا سيادة لغير الشعب ، وإن الاقتراع العام هو أداة هذه السيادة ، والذي لا يكون له قيمة إلا إذا كان حرا بأتم معنى الكلمة ، وفي اعتقادي إن الديمقراطية القانونية والأمنية هي وحدها الكفيلة ببعث نظام سياسي يمكن أن يحقق التحول المعنوي والمادي لأكبر عدد من المواطنين وضمان العدالة الاجتماعية أمام القانون )) .علاوة على رفض ممارسة السيادة خارج المؤسسات ، لكون تلك المؤسسات هي المعبر الرئيسي عن إرادة الشعب ، ولهذا يتوجب فيها ألا تصنع حسب المقاس ولا تصاغ اعتمادا على مصالح خاصة ، بل يحترم فيها مبدأ فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ولا تخضع للتعديل إلا من أجل ضمان الحريات الفردية والحد من الامتيازات الخاصة ، وهو مايجعل من الديمقراطية واقعا يعيشه الشعب وتتوجب المحافظة عليه بإشراك أفراد الشعب في الحياة العامة ، لأن المبالغة في الفردانية حسب ((طوكفيل)) تؤدي إلى الانعزال ، وترك الساحة فارغة لممارسة الاستبداد باسم المصلحة العامة والقضاء على المساواة بتركز السلطة في أفراد يحتكرونها ، والفردانية حسب ((طوكفيل)) هي صدأ المجتمعات الذي يمهد الطريق إلى نظام الدولة.إن الليبرالية بهذه القيم والممارسات هي استجابة لحاجات الأفراد ومجاراة لميول المجتمعات ، ومحاولة لإيجاد توازن في حياة المجتمع انبثقت من تجربة تاريخية طويلة اعترتها انتكاسات وواجهتها مخاطر وهددتها الأفكار المتشددة ، والزعامات الفردية والشعارات الشعوبية ، لتفرض نفسها نموذجاً ناجحاً لممارسة الحكم وتنظيم المجتمع وحماية الفرد ، وهذا ما يجعل منها اليوم بالنسبة للشعوب العربية خيارا مطروحا ، كما كانت بالنسبة للمجتمعات الأوروبية في فترة سابقة خيارا صعبا وتحديا قاسيا ، وهذا ما عبر عنه ((أليكسيس دو طوكفيل)) في النصف الأول من القرن التاسع عشر بقوله : (( ثورة ديمقراطية كبيرة نعيشها اليوم ، الكل يراها ، ولكن يختلف في كيفية الحكم عليها ، وهي ليست خاصة بدولة واحدة ، ففي أي جهة سرحنا نظرنا نجد الثورة نفسها تجتاح العالم ككل ، وفي أي مكان نرى مختلف الأحداث تخدم هذه الديمقراطية ، إن النمو المستمر للمساواة، يتصف بالشمول والخروج عن القدرة البشرية ، مع إنها تستفيد من الزمن والأحداث ومجهودات الرجال ، فهل يمكن لحركة اجتماعية بهذا العمق أن يحول دونها تضافر جهد جيل من الأجيال ؟ وهل يمكن أن نفكر بعد أن دمر الإقطاع وقهر الملوك إن الديمقراطية سو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram