سعاد الجزائري تُركن في الزوايا المهملة، حينما تبدأ ملامح الاستقرار السياسي تلوح في الأفق، في هذه الفترات بالتحديد يبدأ الوعاظ والقيمون على الخلق والأخلاق بسن وتلفيق قوانين (دينية – أخلاقية) تؤدي إلى إسدال الستار تلو الآخر على أي دور للمرأة في المجتمع، لأنهم يخشون، في ظل الديمقراطية، أن يعلو هذا الصوت النافذ والمؤثر وليس كما يوسمونه بالعورة دون خجل من دين او قيم إنسانية..
في تلك الفترات تظهر الفتاوى ضد المرأة، لان الجهلاء يتفرغون لها، ناسين ومتناسين المهام الملحة التي أوكلت إليهم من قبل الذين صوتوا لهم، ناشرين ظلامهم أمام نور التقدم والتطور، وينشغلون بالكراسي التي حصلوا عليها عنوة وبتكفير من لا يصوت لهم.يدرك هؤلاء جيدا ان حجب المرأة سيبرقع المجتمع بالجهل والتخلف، هدفهم الذي يسعون إليه تحت مسميات مختلفة وبأطر متنوعة وفقاً للحالة او الظاهرة التي يستعملونها، كأن تحرم الموسيقى، او الظهور على المسرح او الاختلاط في التعليم، او فرض الحجاب، او تسييج البرلمانيات بالمحرم من الرجال، لأنها رشحت تحت صورة زوجها او غيره.. هؤلاء الذين حرموا الاختلاط في التعليم والفن، حللوا لأنفسهم أشكالاً من (متعة) الاختلاط تحت عناوين وفتاوى لا تتواءم إلاّ مع غرائزهم الحيوانية ونظرتهم المتدنية لكائن يستعملونه وقتما يشاؤون اسمه (المرأة).إن نفس تلك الرموز الهشة، وغيرها التي تنتمي إلى اتجاهات فكرية وسياسية – ديمقراطية ظاهراً وبليدة في باطنها، ومتخلفة حتى النخاع في أصولها، تستعمل المرأة كمناضلة وشجاعة، وحمّالة للمهام والأدوار الصعبة في وقت الأزمات السياسية العصية، لانها تنقل البريد للرجال المختفين في البيوت السرية، او تلتقيهم في ظلمات زوايا الشوارع، او تعبر الجبال والسهول، او الممرات الخطرة لكي تحمل اغذية وادوية المقاتلين، وهي التي تسيّر الحياة الاقتصادية والتعليمية والصناعية، حينما يذهب الرجال الى الحروب. ونفسهم كتبوا عنها في مقالات نشراتهم السرية، وبياناتهم الرنانة واصفين إياها: "رفيقة الدرب التي خاضت النضال مع زميلها الرجل في أحلك الظروف"، وحينما استقرت بهم تلك الظروف واعتلوا الكراسي ذات المساند الذهبية اللماعة، التي تتواءم مع الماركات الشهيرة لأحذيتهم اللماعة أيضاً، ركنوا تلك (المناضلة)، (الزميلة)، (المكافحة) جانبا ولم يتصدقوا عليها إلاّ بفتات الوزارات، بعد ان علا صوتها تحت قبة برلمان العراق الديمقراطي وباسم دستوره قائلة: "خذوا حتى وزارة المرأة، فنحن النساء لا نريدها"!!!!لذا ليس بالغريب ان يتنكر اعضاء مظلة الديمقراطية والقانون (البرلمان) لكل اللافتات التي شوهت شوارع الوطن بعبارات اشادت بالمرأة قبل الانتخابات وداستها بـ........ بعد الانتخابات...إن الازدواجية المروعة بين مرحلة ما قبل الانتخابات وبعدها، والتي جسدتها الشعارات الانتخابية ونقيضها من افعال وتطبيقات بعد الانتخابات، تجعلنا نعيد النظر في مجمل العملية السياسية العراقية، ورغم اني كرهت عبارة (تهميش دور المرأة) لكثرة تكرارها وعدم فاعليتها، لان هذا الدور في تراجع متزايد من تشكيلة حكومية الى أخرى ومن تشكيلة وزارة لما بعدها. إن هذا التهميش لا يخص المرأة فقط، بل ان المجتمع الفاعل بأكمله مهمش، بضمنه الأكاديميون وأصحاب الكفاءات والخبرة، وكل خريجي الجامعات، والعقول المهاجرة في الخارج، والذين عقدوا تحت اسمهم مؤتمرا فخما، بحجة استقطابهم، صرفوا فيه ملايين الدولارات، لتعود تلك الكفاءات إلى أعشاشها الغريبة، مقررة ان لا عودة لوطن استباحت فيه كل الكائنات وأولها الإنسان.. بينما قرر البعض الآخر منهم أن يشترك في عملية افتراس كيكة الفساد بأساليب وطرق مختلفة، وخاصة وتلك هي، إقامة المؤتمرات ولقاءات التحاور في فنادق الدرجة الأولى في عواصم عربية، او في فندق الرشيد، على أساس ان العراقيين المغتربين والمهاجرين، مثل الأجانب يجب حمايتهم من الكلاب السائبة خارج المنطقة الخضراء، ولا يخفى على احد الطريقة الأسهل تحضيرا في الحصول على وصولات مزورة تنتج عنها شراء عقارات وبيوت وسيارات فخمة..ان التحايل السياسي الذي وقعت فيه نساء العملية السياسية جعلت البعض منهن، يستقلن من قوائمهن، او يصدرن بيانات، او يعربن عن احتجاجهنّ، كما فعلت آلا طالباني حينما اجبرت المجتمعين في قاعة البرلمان على الوقوف امام سؤالها: من منكم مع المرأة؟.. فوقف الجميع، لكنهم حينما جلسوا، استغفروا ربهم لانهم وبكل بساطة كذبوا! وكشفت أيضاً عملية توزيع الوزارات ان المرأة لم تكن كاسم مطروح من قبل اي قائمة كانت، باستثناء القائمة العراقية، التي رشحت اسما تم رفضه من قبل الآخرين، وبات جلياً ان المرأة في تلك العملية المعوقة ليست سوى رقم، او صورة مزوقة وملونة على فلكسات كبيرة الحجم لونت شوارع العاصمة قبل الانتخابات، ثم تلاشت ألوانها لتختفي بعدها الصورة وما تضمنته نهائيا من مجمل العملية السياسية..ألا يستدعي هذا الوضع ان تعيد الحركة النسائية والاحزاب والكتل التي تؤمن بدور المرأة النظر في عملية مشاركة واشتراك المرأة في عراق اليوم والغد، وان تتطابق الشعارات والافعال قبل وبعد الانتخابات، فالمصداقية تكمن بين هذين الزمنين (قبل وبعد)، وان لم يتحقق ذلك، فإن المشهد الاحتفالي لنساء انتخابات عام 2005 كط
نساء للزوايا المهملة
نشر في: 24 إبريل, 2011: 05:14 م