فريدة النقاشيدور في أوساط السياسيين والمثقفين جدل واسع بعد ثورة 25 يناير حول القديم والجديد، دون أن يطرح المتجادلون معالم ودلالات ورؤى كل منهما، أي القديم والجديد، بل إن خلطا شديدا، يحدث في الطرح وتبرز فيه روح شبه انتقامية من كل ما كان سائدا قبل الثورة، ويكتسب مفهوم القطيعة قوة خاصة حين يربط البعض بين ممارسات ومواقف رموز من الكتاب والسياسيين كانوا قد انخرطوا في علاقات مشينة مع رموز النظام السابق، بل قام بعضهم بأعمال نفاق واسعة من أجل مكاسب صغيرة أو كبيرة طالما قدموا تبريرا لها بأنهم إنما يستهدفون خدمة الحزب أو المؤسسة أو الفكرة التي يدافعون عنها.
وقيل في هذا السياق إن «كل» المثقفين المصريين كانوا قد دخلوا إلى «حظيرة» النظام السابق وفقا لتعبير وزير الثقافة آنذاك «فاروق حسني»، وهكذا أصبح كل ما هو قديم مرتبطا بهذه المواقف والمعاني.وتجاهل المتجادلون الذين انطلقوا من نظرة أحادية وضيقة أنه كان في القديم من كافح ببسالة ضد المنظومة الاستبدادية الفاسدة بكاملها، ولم تخدعه بعض الرتوش هنا وهناك مراعيا أن كل نظام حكم مهما كان فاسدا ومهترئا واستبداديا لابد من أن تكون له إنجازات، فهو الذي يسيطر على ميزانية الدولة ويحدد وجوه إنفاقها، ومن الحماقة أن نعتبر مثل هذه الإنجازات جواز مرور وتبرئة للنظام المنهار بينما نحن مطالبون بأن نحافظ عليها أي الإنجازات ونطورها، ولم يكن أحد مخطئا أو منافقا حين ساندها.ويلفت النظر في هذا الجدل حول القديم والجديد أن بعض أعلى الأصوات التي تطالب بالإجهاز على القديم كلية كانت ممن قدموا فروض الولاء والطاعة للنظام الذي سقط، وتبدو الآن وكأنها تريد أن تسدل سترا سوداء على تاريخ تواطؤها بدعوى البدء كلية من جديد، ويرون في حالة الفوضى التي ترتبت على انتصار الثورة والتي يؤججها أعداؤها فرصة ليخدعوا أنفسهم على قدم المساواة مع من عارضوا النظام السابق بكل قوة وجرت ملاحقتهم في أرزاقهم ومحاصرتهم وسجنهم ويصبح الكل في هذه الحالة «قديما».ولكن جمهوراً لا يستهان به من المطالبين بأن يضعوا كل ما كان قديما في سلة واحدة يلقون بها في البحر، قد رفض بحسه الشعبي البسيط هذه المقولة وأقبل على المؤسسات التي كانت عونا له في سنوات القمع والقهر، بل أقبل شباب من صناع الثورة ومن قلب ائتلافاتها على الانضمام إلى الأحزاب القديمة الديمقراطية، سواء تلك التي نشأت مع تجربة التعددية الجديدة والمقيدة سنة 1976 مثل حزب التجمع أو الحزب الذي نشأ في ظل الثورة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي والقصر والرجعية المحلية سنة 1919 وواصل بناء نفسه في الحقبة الجديدة وهو حزب الوفد.كذلك شهدت بعض مؤسسات المجتمع المدني الديمقراطية والتقدمية إقبالا ملحوظا من شباب وشيوخ يتطلعون للإسهام في بناء وطنهم مع الوضع في الاعتبار أن النضال من أجل التعددية النقابية وصولا لإنشاء أول نقابة مستقلة وهي نقابة موظفي الضرائب العقارية كان سابقا على ثورة 25 يناير بزمن طويل، أي أن بعض هؤلاء الذين ينتمون إلى القديم ناضلوا نضالا مستميتا من أجل أن يولد الجديد وكانوا من ثم جزءا عضويا منه.بات الصراع بين القديم بالمعنى الذي يطرحه بعض المتواطئين، وبين الجديد يذكرنا بمقولة صراع الأجيال التي طرحها بعض المفكرين عقب هزيمة يونيو/ حزيران 1967 وبعد اندلاع مظاهرات الشباب الرافضة للأحكام التي أصدرتها المحاكم العسكرية ضد المسؤولين عن كارثة ضرب سلاح الطيران المصري على الأرض، ولم يكن الرفض حينذاك مقتصرا على الشباب، فقد كانت هناك أجيال سابقة وجهت نقدا جذريا متكاملا للتجربة الناصرية وحذرت من هذا المآل، والقول بأن الصراع هو صراع أجيال كان يغطي على الحقيقة الساطعة أي الصراع حول المنطلقات السياسية والرؤى والأفكار وكيفية التعامل مع أسباب الهزيمة ونتائجها، هل باللجوء للشعب أم باتباع نفس السياسات؟وكان هناك طرفان بارزان يضم كل منهما شبابا وشيوخا لأن الانتماء الطبقي الاجتماعي وما يترتب عليه من أفكار هو الأساس وليس الانتماء العمري.وهكذا هو الصراع الآن بين القديم والجديد، في الجديد قديم، وفي القديم جديد.. وليس كل ما يلمع ذهبا.
ليس كل ما يلمع ذهباً
نشر في: 27 إبريل, 2011: 05:56 م