علي جاسم محمدانه لمن المؤسف أن يأتي العراق في المرتبة الرابعة في قائمة الدول الأكثـر فسادا في العالم ،واللافت أن الكل ينتقد الظاهرة، والكل يعانيها على أنحاء مختلفة ؛ فمن ضياع المال العام وألهدر فيه الى صعوبة انجاز المعاملات ما لم يدفع المواطن مبلغا من المال .وهذا يحدث في كل مرافق الدولة اضافة الى ان المواطنين باتوا يتحدثون عن مبالغ عالية جدا للحصول على وظيفة ،وهناك قصص عن الفساد الأداري والمالي حدثت وتحدث في مؤسسات الجيش، والشرطة ، والقضاء، والتعليم ،و الصحة،
واعادة ألأعمار،والبرامج التدريبية داخل وخارج العراق ، ومؤسسات المجتمع المدني، فالورم السرطاني آخذ بالانتشار في جسد المجتمع الى الحد الذي تحول فيه الى (ظاهرة اجتماعية) في شكله ،ومضمونه،ومادام الأمر هكذا، فأن كل المؤسسات المعنية بالتصدي المباشر للفساد الاداري والمالي ،كهيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية ،ودائرة المفتش العام غير كافية لأستئصال هذا الورم ومعالجته . ان واقع الحال يشير الى ضرورة اعادة ادراك الظاهرة ومسبباتها الفعلية على نحو علمي لكي يكون بالامكان الحد من هذه الظاهرة وتنفير أفراد المجتمع من ثقافة الفساد وذلك بخلق ثقافة نزاهة يمكنها ان تكون ثقافة تنفير فعالة ازاء ثقافة الفساد. لم تعد ظاهرة الفساد الاداري والمالي قضية عدد من الأفراد المنحرفين والذين يجنحون في سلوكهم للأساليب غير المشروعة في الكسب،بل تحولت الى ظاهرة اجتماعية في الشكل والمحتوى؛وأذا كانت هي بالفعل هكذا فكيف نفسر ذلك أي كيف يمكن أثبات أن لهذه الظاهرة جذورها في البنية التركيبية والمنظومة القيمية للمجتمع؟ لنلاحظ بداية ان ولاءات الفرد في المجتمع العراقي ينتظمها التراتب التالي (العائلة ،العشيرة، الطائفة ،ثم العرق ،المدينة او القرية ،ويأتي ولاء المواطنة في المحل ألأخير)،وان سلوكه محكوم بهذا التراتب في ألولاءات،وأول تجليات هذا الوضع نجدها في ميلنا لاستخدام اللقب العائلي ،او العشيرة ،او المدينة والقرية التي ينتسب لها الفرد ؛ فالفرد يستخدم هذا اللقب في اسم المحل الذي يملكه ، او الشركة ، او في لافتة عيادته الطبية اذا كان طبيبا ،او مكتبه اذا كان محاميا ،واذا انتقلنا الى الأعلام فسنجد نسبة صغيرة من الكتاب والصحفيين يستخدمون أسماءهم دون أن تكون مقرونة بأسم العشيرة، وان الغالبية منهم تستخدم اللقب العائلي والعشائري. في النظام السياسي نجد ان استخدام تلك الألقاب شائع من أعلى مستويات الهرم السياسي الى أدناها ولنلاحظ من رئيس الجمهورية، الى رئيس البرلمان ، فرئيس مجلس الوزراء ، ثم الوزراء ، ونزولا حتى ابسط المناصب الادارية ، الغالبية من أفراد المجتمع أذن يحرص على استخدام لقبه العائلي او العشائري ؛ان لهذا ألأستخدام الواسع للقب العشائري دلالاته والتي في عمومها تؤكد نوعا من التكافل والتواكل بين الفرد والعشيرة ،ولطالما لعبت هذه العلاقة دورا في خدمة الطرفين اذ يتمكن العشرات من الناس الحصول على فرص عمل والحصول على تسهيلات بسبب الانتماء لذات المرجعية العشائرية، وغالبا ما يكون الفرد الذي يشغل منصبا عاليا في خدمة أبناء عشيرته ومادام هو في خدمتهم فهو (أصيل شجاع وطيب وأبن حلال) وبالعكس. ان التكافل الاجتماعي عبر الوظيفة الاجتماعية للعشيرة كمجموعة اجتماعية محمود ويلعب دورا ايجابيا في مساعدة الضعفاء من أبناء العشيرة ولكنه مذموم ويلعب دورا سلبيا حين يكون عونا للمجرمين عندما ينقذهم من عقوبة القانون،بل يضطر أفرادا صالحين لدفع أموال عن أعمال أجرامية لأشخاص طالحين . أن المجاملات العشائرية تلعب دورا سلبيا في ضياع حقوق الناس والخروج على القانون(...). أن على المتخصصين في علم الاجتماع ، دراسة الدور الوظيفي للعشيرة في المجتمع المدني والدولة العصرية وتحديد الأدوار الايجابية والسلبية لهذه الوحدة الاجتماعية التي نرى أنها تلعب دورا خفيا
الفساد المالي والإداري ظاهرة اجتماعية
نشر في: 27 إبريل, 2011: 05:58 م