اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > المسلسلات التلفزيونية وإعادة كتابة التأريخ.. "عمر" أنموذجا!

المسلسلات التلفزيونية وإعادة كتابة التأريخ.. "عمر" أنموذجا!

نشر في: 10 أكتوبر, 2012: 06:03 م

3 - 3
يوسف أبو الفوز
لقد ظهر لنا الإمام علي مجرد صورة جميلة، حرص عليها فريق الماكياج الإيراني كثيرا، وبدا لنا الممثل، وهو المخرج نفسه، حريصا على أن يقدم الشخصية مجرد ظهور بدون أي جهد تمثيلي ـ تساوى هنا مع الممثل الذي جسد شخصية عمر ـ وكأنه يخشى إفساد الماكياج بتمثيله، وبدا لنا الإمام علي، وهو المعروف عنه تواضعه في مأكله ولباسه، حتى لقب "أبي تراب"، ميسورا، ارستقراطيا، مثل بقية أغنياء قريش، بحيث بدا لباس الصحابي عثمان بن عفان، وهو من أغنياء قريش متواضعا الى جانب مظهر الإمام علي. في المعارك والمبارزات التي خاضها الإمام علي بن أبي طالب، كانت حركته مفتعلة ومبالغ فيها كثيرا، صحيح تماما انه عرف عنه كونه فارسا مغوارا، لكن لا يمكن لأي فارس شجاع أن يتحرك بهذه الصورة المتكلفة التي بدا فيها وكأنه ليس في معركة، وكأن الذي أمامه ليس عدوا مقاتلا ويحمل مثله سلاحا قاتلا!  من جانب آخر ألحّ المسلسل على ظهور الإمام علي بن ابي طالب إلى جانب الخليفة عمر بن الخطاب، حتى وان كان بدون حوار او مشاركة، مجرد صورة جميلة ملازمة لعمر بن الخطاب، فبدا ظهوره مجرد ديكور، في محاولة لتقديم رسالة، تشير إلى علاقة عمر الطيبة  مع علي بن أبي طالب، وكأن الخلافات الطائفية المترسخة تأريخيا يتم حلها بمشهد تلفزيوني ساذج، إضافة الى كون قامة المخرج حاتم علي كممثل لم تكن مناسبة بأي شكل لتجسيد شخصية الإمام علي، الذي تذكر كتب التاريخ انه كان قصيرا مربوعا. وبسبب من غياب الحبكة الدرامية في المسلسل، وبحكم كونه يغطي فترة زمنية قاربت الـ35 عاما، فإننا نجد حلقات المسلسل الأخيرة تجري الأحداث فيها، مع إيقاع حركة عمر السريعة في الأسواق، فلكي يعرض لنا مواقف في شخصية عمر، توضح لنا تسامحه وعدالته وعطفه على الفقراء واليتامى وتفقده الرعية، راحت الكاميرا تجري خلف الخليفة عمر وهو يدور مسرعا غاضبا ومتشددا في الأسواق ليقدم لنا العديد من الحكايات المتوالية في اقل من نصف ساعة لأحداث كان الفارق الزمني بينها في الواقع شهورا وربما سنينا! ومعركة اليرموك التي استمرت ستة أيام، ابتسرها المسلسل في واقعة واحدة، من دون توقف وعرض لنا فيها خالد بن الوليد، وهو قائد عسكري عبقري وشجاع بقفزاته وصولاته وكأنه "أرنولد شوارزنيجر" يمثل لنا "ترميناتور الإسلام" (الحلقة الثالثة والعشرون)، واجزم أنه بهذا الأسلوب يمكن لحاتم علي تقديم فيلم تجاري عن خالد بن الوليد، الذي منحه المسلسل مساحة جيدة، يحصد به شباك التذاكر حتى في الدول الأوربية! وارتباطا بالمساحة التي منحها المسلسل للعديد من الأحداث، نجد انه قدم قراءة ناقصة للتأريخ في مواقع عديدة، مثلا  تجاوزه لمعركة النبي محمد مع يهود بني قريضة، ومن حق المشاهد أن يتساءل هنا: هل كان هذا تجاوزا للإشارة لدور الإمام علي بن أبي طالب في معركة اقتحام حصن اليهود في خيبر؟ أم انه تجاوز لذكر "صفية بنت حيي بن اخطب" التي تذكر لنا المصادر أن النبي محمد تزوجها بعد أن اعتقها حيث كانت مع الأسرى واصطفاها لنفسه ناويا إكرامها وإيجاد المصاهرة بينه وبين اليهود لأغراض سياسية وعله يخفف عداءهم، لكن العديد من الروايات تذكر أنها سبب وفاة النبي بكونها دست له السم انتقاما لمقتل زوجها وأبيها مع من قتل يوم خيبر من اليهود وهم عدد تجاوز أربعمائة رجل وفي رواية سبعمائة، بعد أن تم أسرهم وسبي نسائهم؟ أم أن الجهات الممولة للمسلسل لا تريد إغاظة جهات سياسية يهودية أو عربية بإثارة صراع اليهود مع المسلمين؟ إن ضياع الحبكة الدرامية الواضحة في المسلسل، جعلته يقع في مطب كثرة الشخصيات التي تظهر ثم تختفي، وبعضها يختفي بسبب مقنع (وفاة أبو طالب، مقتل الحمزة بن عبد المطلب)، لكن العديد من الشخصيات التي ظهرت وما أن يتعرف عليها المشاهد، حتى سرعان ما تختفي، حيث يتم تجاهلها بحكم غياب الحبكة الدرامية، إضافة الى كون المسلسل أقصى عن الأحداث شخصيات لها ثقل في الدعوة إلى الإسلام، ووقوفها الى جانب النبي والخلفاء الراشدين، مثل أبو ذر الغفاري ومالك بن الحارث الأشتر وآخرين، فهل اختفاؤهم كان لأسباب فنية او طائفية؟ يضاف لذلك التناول السطحي لبعض الشخصيات المعادية للإسلام، فلا يعقل ان يكون "مسلمة بن حبيب" أو كما يسمى "مسيلمة الكذاب" الذي حكم مساحة واسعة من شرق الجزيرة العربية في منطقة اليمامة، وسجاح بنت الحارث، بهذه السطحية  وحتى الكاريكاتيرية، وهما اللذان ارتدا عن الإسلام ونجحا في جمع العديد من القبائل العربية حولهما لمواجهة الدعوة الإسلامية واقلقا مركز الخلافة، فلم يكن مقنعا الشكل الذي ظهرا به إذا أردنا ان نقدم قراءة صحيحة وموضوعية للتأريخ! رغم أن المسلسل حوى العديد من الشخصيات النسائية وبشكل ثانوي، واغلبها تظهر وتختفي بدون مبررات درامية، وذكرت أسماء العديد من النساء اللواتي لم نر أي ظل لهن في أحداث المسلسل، إلا انه ظل جافا روحيا وخاليا من العواطف فلم نر ولو ابتسامة لامرأة،  دعك من كلام الحب، وكأن المسلمين لم يعرفوا النساء والحب والمودة، بينما التأريخ يذكر لنا بأن غالبية الصحابة كانوا متعددي الزوجات، وان الخليفة عمر بن الخطاب وحده تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام، ونحن هنا لا نريد من كاميرا المسلسل أن تأخذنا الى أسرّة النوم، ولكن المسلسل كان يمكن أن يقدم لنا زوجات المسلمين بمشاهد تتجاوز إطار تقديم أكواب اللبن والوقوف كحاجب لفتح الأبواب، إلا إذا كان القائمون على المسلسل يرون أن هذا هو فقط واجب المرأة!  وما دمنا في إطار الحديث عن الأدوار النسائية، فمن الطريف أن الممثلة السورية مي أسكاف (مواليد 1969) أدت دور هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بن حرب، (الحلقة الثانية والثالثة والسابعة والثالثة عشرة) وفي فمها يظهر جسر أسنان مصنوع بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين (من يدري ربما صنع في عيادات أبي جهل!!)، وإذا توقفنا عند إعادة كتابة التاريخ في المسلسل فهناك العديد من الأخطاء التأريخية التي حواها المسلسل والتي تقود لتسجيل العديد من الملاحظات، منها مواعيد نزول بعض سور القرآن ففي حوار بين عمار بن ياسر وأبويه، في وقت سرية الدعوة إلى الإسلام، قرأ عليهما سورة الضحى التي تشير المصادر إلى أنها لم تكن قد أنزلت في ذلك الوقت (الحلقة الثانية)، وأيضا أن أبي سفيان بن حرب شهد معركة اليرموك (636 م) ضد الروم، ولكنه لم يفقد عينه بسهم فيها كما بين لنا المسلسل خلال تلك المعركة (الحلقة الثالثة والعشرون)، وإنما فقدها قبل خمس سنوات بسهم أصابه في حصار الطائف (631 م) وعلى يد سعيد بن عبيد الثقفي وكان مشركا يومها، ويروي المؤرخون لنا أن أبي سفيان ساعتها قصد النبي محمد بن عبد الله قائلا: "هذه عيني أُصيبت في سبيل الله"، فقال له النبي:"إن شئت دعوت فردت عليك، وإن شئت فالجنة" فقال: "الجنة"، فهل سعيد بن عبيد الثقفي يمت بصلة القرابة لأحد طاقم العمل في المسلسل لتنقل فعلته مع أبي سفيان إلى الروم في إعادة كتابة التأريخ تلفزيونيا؟! وإذا كان لا بد من الإشادة بالعديد من الممثلين، الذين اعتمد عليهم المسلسل، وكانوا من مختلف البلدان العربية، سواء بأدوار أساسية ام ثانوية، وكانت بينهم أسماء لامعة في عالم الفن،  فلا يمكن إلا التوقف بإعجاب كبير عند الفنان العراقي جواد الشكرجي وحضوره الطاغي، وهو يسرق الأضواء من حوله، من كبار الممثلين العرب، وذلك بتمثيله الفذ لشخصية أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي، وتقديمها بشكل مقنع، وصل به حدود التفرد في أداء شخصية لها ثقلها التاريخي، إذ كان أبو جهل من ألد أعداء النبي محمد والإسلام، مما يدعونا لتأكيد كل ما قيل عن إمكانات الفنان العراقي،  وعدم تمكن المخرج العراقي من استغلالها. أود أن أشير إلى كون المسلسل حوى الكثير من العنف، ومشاهد القتل والدماء، ففي كل حلقة تقريبا كانت هناك ثمة معارك، وأجد بهذا انه لم يقم بدوره التربوي للأجيال القادمة على وجه حسن،  فعرضه كان خلال شهر رمضان، ورغم أن المسلسل يسجل له سابقة في وضع إشارة "هذه الحلقة تحوي مشاهدَ غير مناسبة للأطفال الصغار"، إلا أن الواقع يبين أنها لم تكن نافعة كثيرا، خصوصا وان أوقات عرض المسلسل كانت في أوقات اجتماع العائلة، فأي عائلة عربية أو شرقية  تبعد أطفالها عن التلفزيون في هذا الوقت؟ 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram