الكتاب: احتلال ألمانيا ومحو النازيةتـأليف: فريدريك تيلرترجمة: المدىمنذ أكثر من نصف قرن، غطى صعود ألمانيا الحديثة نموذجاً للديمقراطية الليبرالية كقوة اقتصادية، مصدرة القيم الأوروبية الحديثة، لتصبح درساً فعالاً في كيفية إعادة خلق دولة من جديد.
إن الإجماع بين المؤرخين والسياسيين في الغرب على ان التجربة الماركسية في الشرق كانت مجرد صورة.وقد تم تحديث ألمانيا من قبل حليفتها: الولايات المتحدة الأمريكية وانكلترا التي شعت على إرساء القيم الديمقراطية فيها واستبطان الدوافع والمشاعر في ماضيها الحديث.إن إعادة تأهيل ألمانيا كانت ندبة يصعب اندمالها والتحرر منها لولا الأعمال الصالحة الحقيقية التي تواصلت عقوداً من الزمن، ويعزى ذلك إلى السياسة التي اتبعت من قبل أمريكا وانكلترا وحتى فرنسا.إن كتاب فريدريك تيلر يفضح الأكاذيب الكثيرة التي نسجت حول الأعوام التي أعقبت الحرب العمالية الثانية.ومن خلال مؤلفه، يتضح للقارئ ان تحديث ألمانيا كانت عملية أكثر تعقيداً ما تم تبادله في الأوساط المتحدثة باللغة الانكليزية.أجل ان الغرب قد انتصر بقيمه، ولكن الطريق كانت متحجرة كثيرة الصخور، وقد دفع ثمن كبير من اجلها- في ألمانيا الشرقية، من قبل الملايين من الألمان، خلف سور برلين، الذين حملوا حياة مرّة عقوداً من الزمن.أما الثمن الذي دفعه الألمان في الجانب الغربي، فكان تعلّم جيل كامل في كيفية نيسان الماضي.ويخبرنا المؤلف بأسلوب مقتدر عن كيفية ضرب دريسدن بالقنابل وعن بناء سور برلين.والصفحات التي تناولت الأيام الأخيرة من الحرب، متقدّة ومثيرة للإعجاب. فهو يبدأ كتابه من تاريخ 11/ أيلول 1944، مع عبور القوات الأمريكية إلى ألمانيا. وكان بإمكانه أن يبدأ من يوم نزول الحلفاء في النورماندي، ومع ذلك فإن سرده للأحداث يبدو ملائماً بشكل يثير الدهشة.ويتحدث تيلر بحساسية مفرطة عن الحرب والمنتصرين، مع التناقض لمشاعر الخوف تجاه السوفيت – أكثر من نصف مليون امرأة ألمانية اغتصبت من قبل القوات الروسية. كما يصف المرارة الحزينة التي أحس بها الناس تجاه الحلفاء الغربيين." لقد كره الألمان النفاق وخشونة وغطرسة الحلفاء".ومن الصعب اليوم في ألمانيا لمن يقل عمره عن 40 عاماً،إن يتذكر كيف كانت ألمانيا (الغربية والشرقية) كانت محتلة من قبل قوات أجنبية لعدة عقود بعد الحرب العالمية. وعلى جانبي الستار الحديدي، كان استقلال الألمان مقيداً. إذ إن السوفيت كانوا يعلمون ما الذي يريدونه من الجانب الشرقي التابع لهم، فقد خلقوا دولة حسب النموذج الستاليني.أما الجانب الغربي، فإن القوى هناك لم تكن واثقة من أمرها. إذ إن قسماً من السياسيين الأمريكيين أرادوا إعادة ألمانيا إلى مرحلة القرون الوسطى الزراعية، بدون صناعة، قد يتيح للألمان صنع الأسلحة التي تهدد جيرانهم. وقد خسر أولئك السياسيين أمام قادة واقعيين في أمريكا وانكلترا. وخطة مارشال اجتثت هتلر، وخلقت معجزة الاقتصاد في ألمانيا الغريبة، وجعلتها تنافس فرنسا التي كانت مركز السوق الأوروبية المشتركة.وكان الحلفاء غير واثقين في كيفية معاقبة النازيين والعثور على "الألمان الصالحين"، لحكم البلاد. ويصف المؤلف تلك العملية، بعد محاكمات نورمبرغ الشهيرة.ففي عام 1945، كان هناك 8 ملايين شخص منتمون إلى الحزب النازي- أي أكثر من 10% من السكان. وكانت هذه النسبة عالية في صفوف المدرسين والمحامين والموظفين(وهم فئات لا يمكن تسيير الأمور بدونها). وكان البريطانيون الأكثر عملياً وتخلوا بسرعة البحث عن نازيين خارج حلقة مجرمي الحرب،والكثير من النازيين انتقلوا إلى المنطقة البريطانية للسكن.أما القادة الأمريكيون في واشنطن فكانوا متمسكين بعبارة"لا مكان آمناً للنازيين".وقد تُركت ألمانيا الغربية لتطهر نفسها. ولم يكن الأمر سهلاً. وكانت أعوام الخمسينيات والستينيات مرحلة للعفو والنسيان. وقد دفعت ألمانيا بلايين الماركات تعويضاً لليهود, ولكن تلك المرحلة شهدت إعدام قلّة من النازيين. ففي عام 1952 كان 60% من الموظفين المدنيين في بافاريا من النازيين القدامى. وعندما ظهر جيل جديد من الألمان، بدأوا يسألون آباءهم وأمهاتهم:"ماذا كنتم تفعلون في عهد الرايخ الثالث؟"وعند ذلك بدأ التحول الحقيقي وانبثق جيل من الألمان حساس للتاريخ الحديث الذي بدأ ينبثق. عن/ الغارديان
ألمانيا ومحو النازيين
نشر في: 2 مايو, 2011: 05:45 م