TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > بلقيس.. البشرية الحرة

بلقيس.. البشرية الحرة

نشر في: 4 مايو, 2011: 05:46 م

فريدة النقاش رحلة «بلقيس» ملكة سبأ في التيه وهي تعاند مصيرها أو وهي تنتصر بالدهاء والحيلة، وبالمعرفة المؤلمة عن حقيقة العدو الذي أراد أن يسوقها مكبلة بالأغلال لتكون زوجة لملك السجن أو جارية لا فرق تلك هي القضية.. ولكن الملك ليس موجودا بل إنه لم يكن موجودا.. لعله وهم أو ربما يكون قد مات منذ زمن بعيد.
فهل ينتصر المحاربون الكرام على وهم؟وهل كانوا قد قبلوا المذلة والانكسار من أجل لا شيء؟وهل النجاة هي نجاة الأفراد أم الأوطان؟وماذا عن الخيانة الأبدية والفاعلة في خبايا العلاقات؟وماذا عن الفساد والنفاق في بلاط الملوك والأمراء؟نحن أمام عرض مسرحي مركب بنصه المكتوب على الورق لمحفوظ عبدالرحمن، والنص الآخر الذي نقله المخرج الأستاذ «أحمد عبدالحليم» على الخشبة محولا عمق الأفكار وتعدد جوانبها إلى بساطة آسرة، وهو يغرينا بقراءة نصه على ضوء الواقع الجديد لا في بلادنا فقط وإنما أيضا في اليمن حيث قامت مملكة سبأ التاريخية وملكتها العظيمة «بلقيس» بل إن صانع الديكور ومصممه صلاح حافظ ومهندسه ناصر عبدالحافظ اختارا معا أن يقدما مزيجا من العمارة اليمنية والمصرية القديمة واستلهما الوشائج بين التراثين العريقين لبلدين متحضرين وقديمين يقاومان الفساد والعطب.يطرح كل من المؤلف والمخرج أسئلته، ولا يقدمان إجابات بسيطة بل يفتحان الأبواب أمام أسئلة جديدة، أسئلة عن التجربة الإنسانية في عمقها حيث تنتقل الرسالة من الفردي إلى الجماعي، من مصير ملكة إلى مصير شعب.. يتساءل محفوظ: بلقيس هذه ما تكون لو تعرضت للقهر والاستبداد؟ وأول ما يرد إلى ذهن المتلقي هو جواب كامن في تجربة تاريخية طويلة إنها المقاومة أو الموت.. وسوف يأتي بها مئة ألف من الجند مكبلة بالأغلال لتتزوج ملكا لم تره ولم يرها، فهي المرأة التي ملكت الدنيا وكان عليها أن تسلم نفسها لتقع في أسر مستبد يسعى للحصول عليها هي نفسها، وقبل ذلك الحصول على كرامتها ليدوسها بقدميه ويدمر روحها.تختار «بلقيس» أن تضحي بحياتها، ولا تفرط في ذرة من كرامتها، فهي ليست امرأة فحسب، وليست امرأة ملكت الدنيا بل إنها أيضا فكرة ورمز للوطن المجروح الذي يقاوم.. لذا جعل المخرج التضاد الأساسي في العرض بين طرفين لكل منهما منطقه وقوته.. وعلى الخشبة يقف كل منهما في ساحته على نفس المستوى.. وإن تجلت بشكل خاص المرأة المقاتلة بشموخها وذكائها.. التي لعبت دورها بمهارة ونعومة الفنانة «رغدة».. التي تلتقي أمها في التيه لتؤكد لها أنها أي «بلقيس» من سلالة البشر لا الجن.. ليسقط ذلك الوهم مرة أولى قبل أن نتبين الوهم الأكبر وهو موت الملك الجبار أو ربما عدم وجوده أصلا.. وهذه المرأة البشرية المقاتلة تغرز سيفها في كل من آصف «أحمد سلامة» وقاتله «أحمد عبدالوارث» لا تتحرر هي وحدها وإنما يتحرر قومها بأيد بشرية لا فوق بشرية من خارج هذا العالم.ويختار «أحمد عبدالحليم» الذي يؤمن بأن المسرح للجميع أن يقدم مجموعة من الرقصات والأغنيات كجزء عضوي من العرض بديلا من الكورس اليوناني.. ومع هذه الرقصات والأغنيات يشعرنا المخرج بأننا نطير محلقين في الفضاء الكوني للمعاني والمشاعر.يحتاج كل من «عهدي صادق» و«مازن الغرباوي» و«نهير أمين» التي تميزت بحضور خفيف الظل وواع، مع كل من «شادي سرور» و«صبري عبدالمنعم» و«همام عبدالمطلب» وعلي فرج ومحمود زكي ورحاب الغراوي وسامي المصري.. يحتاجون جميعا إلى كتابة خاصة كفناني مسرح حقيقيين، يعرفون الحدود بين أضواء السينما والتليفزيون من جهة وما يمكن أن أسميه قدسية المسرح من جهة أخرى، فهم يؤدون كأنهم يقيمون الصلاة، فتحية لهم جميعا وللمايسترو - أحمد عبدالحليم - الذي عرف نقطة القوة في كل منهم وأضاءها بالمعنى الحرفي عبر إضاءة عاصم البدوي.. ولا يجب أن ننسى عذوبة وقوة أشعار مصطفى سليم وموسيقى هيثم الخميس.«بلقيس» عرض يستحق أن يراه المصريون ليعرفوا كيف حفر في الصخر بعض الفنانين كتابا ومخرجين وموسيقيين وممثلين ليضيئوا حقيقة كفاح الشعب المصري من أجل الحرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram