كاظم حبيب إن القراءة المتأنية لانتفاضة الشعب المصري تؤكد استنتاجاً جوهرياً لا يمس مصر وحدها بل كل الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط وكل الدول النامية ومفاده إن انتفاضات وتظاهرات واحتجاجات شعوب الدول العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والأردن والجزائر وفي غيرها تؤكد عزم هذه الشعوب على رفض الإهانات التي تستهدف كرامتها ومصادرة حرياتها العامة وحقوق الإنسان وعمليات التهميش
لدورها ومشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونهب ثروة المجتمع وخبزها وإفقار الغالبية العظمى من السكان والادعاء بتمثيل الشعب بانتخابات متباينة في صيغ تزييف الإرادة وتزييف وعي غالبية الشعب الكادح بأساليب وأدوات شتى بما فيها الإدعاء بالقومية أو تسييس الدين!". كما يمكن بلورة عدد من الاستنتاجات المهمة في النضال المتواصل لشعوب المنطقة بأسرها، ومنها:إن التغييرات الحاصلة على الصعيد العالمي تسمح للشعوب في الدول العربية بانتزاع حقوقها الوطنية والقومية من خلال خوض النضال بالطرق السلمية وبعيداً عن العنف شريطة أن يستند إلى قواسم مشتركة بين قوى الشعب وفئاته المختلفة في مواجهة الحكومات المستبدة وممارستها أساليب الإرهاب والقمع لكسر شوكة الشعب.إن الحركات الشبابية التي انطلقت في عدد من الدول العربية قد استطاعت أن تتخطى حاجز الخوف من جهة، وأن تجلب المزيد من الناس من فئات الشعب المختلفة إليها والمشاركة في الحياة السياسية من جهة أخرى، إضافة إلى نشوء ثقة لدى فئات الشعب بقدرتها على أخذ زمام المبادرة لضمان التغيير المنشود وتحقيق المصالح.كما إن العنف الذي مارسته أو تمارسه الحكومات الاستبدادية عجز ويعجز في الغالب الأعم عن كسر شوكة الشعب وتركيعه، بل سيزيد من سعير النضال الشعبي وتعبئة القوى الشعبية لتحقيق الأهداف المنشودة. والدم الذي يسيل في الشوارع والميادين يلهب الجماهير ويدفعها لوقف حمامات الدم وإسقاط النظم التي ترتكب تلك الجرائم البشعة.وإن الحركات والانتفاضات الشبابية والشعبية لا يمكنها تحقيق الأهداف المنشودة ما لم يواصل المنتفضون فعلهم الثوري لتغيير واسع النطاق في أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية وفي أجهزة وقوى الإعلام. وهي تتطلب عملية تنوير وتوعية مستمرة بأهداف الشعب ومراميه وخاصة للأوساط الكادحة والفقيرة التي كانت ضحية الاستبداد والاستغلال والقمع والتجهيل.ويفترض أن يعي المنتفضون بأن تنظيم أنفسهم والشعب هي المهمة المباشرة والأساسية لضمان التعبئة الواسعة والفعالة في مواجهة قوى الثورة المضادة التي تحاول بشتى السبل احتواء الانتفاضة والمنتفضين أو الالتفاف عليها أو افتعال الفرقة بين قوى الانتفاضة الشعبية. وتحتل مهمة مكافحة الفساد والمفسدين وتقديم رموز النظام السياسي والفساد المالي إلى التحقيق والمحاكمة أهمية استثنائية لأسباب عدة مهمة منها: أ- الاستجابة المباشرة لطلب الشعب بمحاربة الفساد والمفسدين الذين يشكلون خطراً مستمراً على الانتفاضة الشعبية وعلى مصالح وإرادة الشعب. ب- إنزال العقوبات بالفاسدين والمفسدين ليكون درساً عادلاً لكل من تسول نفسه ممارسة ذلك لاحقاً. ج- استعادة أموال الشعب المنهوبة بشتى الطرق ووضعها في خدمة عملية التنمية. د) قطع الطريق على المتآمرين في استخدام حالة الفساد والأموال لتعبئة القوى واستخدامها ضد النظام السياسي الجديد.ولا شك في أن المهمات الاقتصادية تحتل، إلى جانب المهمات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتوعية المستمرة، أهمية فائقة، فهي من المهمات التي تستغرق وقتاً غير قليل لتعطي ثمارها المناسبة للفئات الفقيرة والكادحة والمنتجة للخيرات المادية والروحية. ولهذا لا بد من البدء بها لتنشيط العملية الاقتصادية بإيجاد فرص عمل جديدة في مجالات غير قليلة، سواء أكان ذلك في البناء والتعمير أم في إقامة الطرق، أم في مجالات حماية البيئة وفي المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية وتحسين الأداء. إن وضع مهمات آنية من جهة، ومهمات ذات طبيعة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية وتغيير أسس السياسة الاقتصادية التي مارسها النظام المخلوع ومضامينها الأساسية التي تتوجه صوب الاستجابة لحاجات المجتمع وتغيير البنية الاقتصادية للاقتصاد الوطني من جهة أخرى، والاهتمام بالمناطق السكانية المهملة مثل منطقة سيناء وإعادة التوازن للتنمية الإقليمية (المناطقية) في مصر من جهة ثالثة، ستكون من المهمات المركزية للحكومة الراهنة وتلك التي تتشكل في ضوء الانتخابات العامة القادمة أو انتخاب الرئيس الجديد للدولة المصرية. وبين المسألتين فارق مهم، إذ عندها تجري الانتخابات العامة الجديدة في إطار دولة مدنية برئيس مدني لا ينتمي للهيئة العسكرية الحاكمة في الفترة الانتقالية الراهنة.إن واحداً من أهم الاستنتاجات الذي يستوجب التركيز عليه من جانب المسؤولين الجدد يبرز في مدى حميمية وشفافية وصدق العلاقة التي يفترض أن تنشأ بين الحكام الجدد وفئات المجتمع. فالأذن الصاغية لأراء الناس والتفاعل معها والاستجابة لها وتجليات ذلك في الحياة اليومية للناس هي التي تساعد على استقرار الوضع السياسي الجديد وتعزيزه ودرء المخاطر عنه. ويشكل التخلص من أشكال التمييز إزاء المواطنات والمواطنين من مختلف القوميات والديانات والمذاهب الدينية والاتجاهات الفكرية والسياسية ومن الجنسين أهمية كب
الاسـتنتــاجــات ومســتـقبـل الانتفــاضـــة الشــعـبيـة
نشر في: 4 مايو, 2011: 05:46 م