علي حسن الفوازالحديث عن الاحداث التي تشتعل الآن في الجغرافيا العربية، تحولت الى نوع من الاغتراب الثوري الذي اطاح بالنمطية الثقافية للدولة والامن والايديولوجيا، وتحول في وجه من وجهه الى مايشبه الثورات الشعبية التي اطاح بعضها بنظم سياسية عصية، ومحصنة بدكتاتوريات أمنية مرعبة، ووضع البعض الآخر منها عند حافة القلق والعجز وقلة الحيلة، وسط صراعات دامية وأجندات داخلية وخارجية يذهب ضحيتها كل اليوم العشرات من المحتجين الذين يحلمون بزوال انظمتهم العتيقة.
لكن مايبدو مثيرا للجدل والغرابة احيانا، هو الدور الذي تقوم به بعض الفضائيات العربية وحتى الغربية وهي تتابع احداث ويوميات هذه الثورات المشتعلة في الشرق والغرب، إذ ان طبيعة هذه المتابعة تتلبس لبوسا ذات مرجعيات تتمظهر فيها مواقف وسياسات ذات حسابات عابرة للسياسة، وعابرة لمفاهيم المصالح المعروفة، اذ ان مرجعياتها تحمل الكثير من التوجهات الكاشفة عن خنادق طائفية، وخنادق غامضة للقوى الجديدة التي مازال البعض يقف عندها مرتابا باحثا عن الكشف(الجنيالولجي)لهذه القوى..الضجيج الإعلامي هو الصوت الاكثر هوسا في التعبير عن الوقائع السرية والعلنية للصراع والثورة، وهذا الضجيج يستدعي الكثير من الوهم، والخداع ليبدو وكأنه حامل الفانوس القديم لإدلاله الباحثين عن الطرق المضللة، حتى يبدو الامر وكأن هناك قنوات عربية معينة تنحاز عبر هذه الصناعة السريالية الى تهويل جبهة معينة، وتهدئة جبهة اخرى، والعمل على تهويل مايحدث في هذه الجبهة دون غيرها وتحت يافطات سياسية اقليمية او دولية، وبطريقة تثير الريبة، وبما يضع الكثير من الامور تحت الضوء والعتمة في آن معا، وكأن مايحدث في هذه الجبهات والبلدان يخص هذه القنوات دون غيرها، وانها تسعى دائما لاستحضار كل الملفات والتفاصيل والاسرار لإثارتها صدقا او مغالاة، اذ تخصص لها كل وقت البث تقريبا! وبما يجعل حديث الجبهات هو المصدر الاوحد للاخبار الرسمية او العاجل من هذه الاخبار والسبتايتل او الاستضافات والمتابعات ونقل الحدث من الميدان وغيرها. هذا يحدث وعلى المكشوف، وبنوع من الشهوة الغريبة في إثارة لعبة الحرب، وكأنها البديل الاجرائي والاخلاقي للثورة! وان الانظمة المتورطة في جبهات هذه الحرب هي انظمة خائنة، وعاجزة، وفاقدة للشرعية، مقابل اهمال كامل لدول اخرى تصنع ذات الخيانة، وانها تصنع لشعوبها المزيد من الهموم والشجون والظلامات، وان ثورات واحتجاجات هذه الشعوب هي خارجة عن السياق، وفاقدة لشرعنة الثورة ذات المواصفات والمقايسس المعروفة، حتى تبدو هذه الازدواجية وكأنها مقصودة، او انها حاملة لرسالة إلى جهة معينة، وربما هي تعبير عن توجهات سياسية مفارقة، تترسم الطريق لتهيئة دور إقليمي مستقبلي قد تنهض به الدولة المرجعية لهذه القناة او تلك، وسط انهيار كامل لنمطية المركزيات العربية التقليدية وسقوط رمزياتها القديمة، والتي كانت تمثل المرجعيات العربية الرسمية في الصراعات الدولية والاقليمية.. مانراه خلال هذه الايام من تغطيات اعلامية غير مسبوقة للاحداث التي تجري في ليبيا واليمن وسوريا يعكس مجريات هذا الواقع تماما، مقابل التجاهل الواضح لأحداث وصراعات واستبدادات أمنية تقع في اماكن اخرى معينة لاتقل سخونة في احداثها، والتي قد تمثل الجوهر الثوري للانتفاضات الشعبية التي تسعى اليها الشعوب، والتي ربما تعكس المنظور الحقيقي لطبائع الازمات والتغايرات التي بدأت تعصف بالمنطقة، والتي تضع الكثير من الاسئلة امام الباحثين والمتابعين للشأن السياسي والامني ومسار التحولات الستراتيجية في المنطقة، اذ ان تداعيات مرحلة مابعد الثورة التونسية لم تزل غير واضحة المعالم، وكذلك مايحدث في مصر من صراعات غامضة من نوع آخر بين تيارات سلفية واخوانية وعلمانية، وصعود قوى جديدة لم تكن على الخارطة السياسية، وكأن هذا الذي يحدث يحمل الكثير من التوحهات الباعثة على الاثارة، والتي تسعى الى صناعة البدائل السياسية الكبرى! ووضع المنطقة العربية في سياق مختلف من الصراعات والتصدعات التي تهدد بصعود قوى مهمشة، والاعلان عن دول بديلة صغيرة، لكنها اكثر استعدادا لتنفيذ اجندات المراكز الجديدة في الملفات الدولية، والتي يمكنها ممارسة نوع الضغط على دول واجندات كبرى، بما يعيد وضع اوراق المنطقة السياسية والامنية والاقتصادية على طاولة اخرى، وتحت قراءات اخرى، وربما يكون الموضوع برمته هو جزء من اجندة قديمة تسعى الى تنفيذ خطط لتفكيك المركزيات التاريخية والتقليدية، عبر صناعة البدائل والحلفاء وطرق الحرير، والتوجه الى صناعة مركزيات اخرى ذات لبوس سياسي وامني واقتصادي، لكن من السهولة السيطرة عليها وتوجهيها خاصة في ما يتعلق بالصراعات الستراتيجية الحادثة في المنطقة..ما يجري الآن من ازمات، ومنها مايحدث في سوريا مثلا، يؤشر هوية الازمة المستقبلية، والذي نجد بعض ملامحه في الدور الاعلامي الساخن الذي تقوم به فضائيات بعينها، والتي ترفع راية الغلواء السياسية وحتى الطائفية، خاصة ان سوريا تدرك خطورة هذه اللعبة وادوارها، وانها بدأت توجه اصابع الاتهام الى جهات بعينها، إذ ان هذا الجهات كما تقول المصادر الرسمية السورية، مرتبطة بأجندات عربية واقليمية وربما دولية، والغاية من كل هذا هو القيام بضغوط سياسية واضحة لاعادة ترتيب مسارات الصراع في المنطقة، واعطاء البد
سياسات وفضائيات وبدائل مركزية
نشر في: 6 مايو, 2011: 06:23 م