الكتاب: أصول النظام السياسيالمؤلف: فرانسيس فوكو ياماترجمة: عبد الخالق عليفي مقدمته لكتاب " أصول النظام السياسي " يقول فوكو ياما " هذا الكتاب له أساسان، الأول بدأ عندما طلب مني صديقي صامويل هنتغتون من جامعة هارفرد، ان اكتب مقدمة للطبعة الجديدة من كتابه المنشور عام1968 " النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة ". الأساس الثاني هو السنوات العشر التي قضاها فوكو ياما في دراسة " مشاكل العالم الحقيقي في الدول الضعيفة الفاشلة "، التي ألهمته كتابه لعام 2004 " بناء الدولة : الحكم و النظام العالمي في القرن 21 " .
كان فوكو ياما معتدلا في مناقشته لأسس "أصول النظام السياسي" . انه يشتهر بإحساسه بالدول الذي نتج عنه نشر مقالته " نهاية التاريخ " عام 1989 . هذه المقالة تمخض عنها جدلا عالميا : ان ما نشهده هو ليس فقط نهاية الحرب الباردة او مرور فترة محددة من تاريخ ما بعد الحرب، و إنما نهاية التاريخ، أي نقطة النهاية في التطور الفكري للإنسان، و تعميم الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل نهائي من أشكال حكم البشر . منذ ذلك الحين و على مدى عشرين عاما، كان فوكو ياما ينقح آراءه لكنه لم يلغها . في "أصول النظام السياسي " المكون من مجلدين، يقول "زعم الكسندر كوجيف، المترجم الرائع لهيغل، ان التاريخ قد انتهى عام 1806 مع معركة جينا – اورستاد، عندما دحر نابليون حكم بروسيا و جلب مبادئ الحرية و المساواة الى الجزء الأوروبي الذي كان يعيش فيه هيغل. إني اعتقد ان زعم كوجيف مازال يستحق ان يؤخذ بجدية . ان المكونات الثلاثة لأي نظام سياسي حديث – دولة قوية مقتدرة، خضوع الدولة لحكم القانون، عدالة الدولة – قد تأسست في جزء ما من العالم في نهاية القرن الثامن عشر . هذه العناصر اتحدت لأول مرة، عن طريق الصدفة، في بريطانيا رغم ان دولا أخرى في شمال غرب أوروبا تأثرت بالإصلاح مثل هولندا و الدنمارك و السويد، و التي نجحت في جمع الدولة و حكم القانون و العدالة في رزمة واحدة في القرن التاسع عشر . لكن قبل اتحادها في بريطانيا و جيرانها في عصر الثورات الصناعية و الديمقراطية ، نشأت العناصر الثلاثة للنظام السياسي الحديث بشكل منفصل في حضارات مختلفة الحداثة . فقد طورت الصين دولة قوية بوقت مبكر، و كان حكم القانون موجودا في الهند و في الشرق الأوسط، كما ظهرت في بريطانيا حكومة عادلة لأول مرة . اغلب أجزاء الكتاب مكرسة لحكاية قصة كيف ان الدولة و حكم القانون و العدالة نشأت بشكل مستقل في مجتمعات مختلفة قبل اتحادها في بريطانيا في القرن الثامن عشر . بعد اتهامه بالجبرية (أي ايمانه بان الإنسان مسير و ليس مخيرا) من قبل بعض ناقدي كتابه الأول، يؤكد فوكو ياما على دور العرضية الطارئة . كانت أصول المؤسسات السياسية الحديثة " معقدة و محددة بالنص "، فمثلا، تقليل أهمية العوائل الممتدة في بداية أوروبا الحديثة التي كانت وليدة سلطة كنيسة العصور الوسطى، كان يعني ان " الاقتصاد الرأسمالي الذي ظهر في ايطاليا و انكلترا و هولندا في القرن السادس عشر لم يكن من الضروري ان يتغلب على مقاومة المجموعات الكبيرة المنظمة ذات الأملاك الكبيرة التي يجب حمايتها، كما في الهند و الصين . يرفض فوكو ياما محاولات مؤيدي مذهب التجزئة (تجزئة المكونات) في تفسير المؤسسات السياسية و الاجتماعية على انها مجرد ظاهرة تابعة للهياكل الاقتصادية و التكنولوجية البارزة " من المستحيل تطوير اية نظرية محترمة عن التطور السياسي دون معاملة الأفكار على انها أسباب أساسية لاختلاف المجتمعات و إتباعها مسالك تطوير مميزة "، و بشكل خاص " لا يمكن تفسير الدين عن طريق الرجوع إلى الظروف المادية السابقة " و لهذا فان كتاب "أصول النظام السياسي " يخالف التصعيد المعاصر للاقتصاد الكلاسيكي المحدث كعلم اجتماعي يحتذى به . صلاته الفكرية هي مع المفكرين العظام المؤيدين للتقاليد الاجتماعية في القرن التاسع عشر مثل ويبر، دوركيم، و ماركس بالإضافة إلى هيغل الذي يعرّفه فوكو ياما على انه عالم اجتماعي في" نهاية التاريخ " . مع هذا التقليد الاجتماعي، يشارك فوكو ياما رأيا في السياسة كنتاج للتاريخ و النشوء، و نتيجة للسلطة المطلقة لنظرية الحقوق الطبيعية لـ (لوكين) و مبدئية السوق، او ليبرالية مانشستر، مقابل الليبراليين مثل فردريك هايك الذي يحاول تفسير المجتمع من حيث اقتصاد هومو، يقول بان الدولة القوية المقتدرة كانت دائما شرطا مسبقا لازدهار الاقتصاد الرأسمالي . يقول فوكو ياما " البشر لم يكن موجودا في دولة ما قبل الاجتماعية "، و فكرة كون البشر تواجدوا مرة واحدة كأفراد منعزلين تداخلوا اما من خلال العنف الفوضوي (هوبز) او من خلال جدل سلمي تجاه بعضهم البعض (روسو)، هو شيء غير صحيح . قد يعتقد بعض القراء ان فوكو ياما يذهب بعيدا في عدم التأكيد على تقاليد الحقوق الطبيعية التي ألهمت عصر النهضة و ليبرالية التنوير . تاريخية فوكو ياما و إصراره على ان الأفكار نفسها تؤطر النظام السياسي، هي خلاف بحد ذاتها . انه يأخذ علوم الدين لمذهب براهما القديم بشكل خطير كتفسير لتنظيم المجتمع الهندي لكنه لا يفعل الشيء ذاته من اجل فكر أهل التسوية و اللوكين الانكليز في القرن السابع عشر الذين اثروا في الثورات الانكليزية و الأميركية و الفرنسية. و مثل مؤرخي القرن ا
فوكو ياما وأصول النظام السياسي
نشر في: 9 مايو, 2011: 05:32 م