نجاح الجبيلي يلقي فيلم "عشرة "لعباس كياروستامي نظرة بسيطة لكنها ثاقبة داخل حياة النساء الإيرانيات العاديات. وهو يدور حول امرأة تسوق في شوارع طهران مع راكبيها في عشر رحلات ويقدم مجموعة واقعية من السيناريوهات مع تمثيل طبيعي جداً. ويشبه الفيلم غالباً تلفزيون الواقع.
إن بطلة الفيلم،التي لا تحمل اسماًَ وتؤدي دورها ببراعة الممثلة "مانيا أكبري" ، هي امرأة مطلقة ومتزوجة مرة أخرى. في الرحلة الأولى التي تبدأ مع ابنها أمين في السيارة يغمرنا المخرج في نزاع إذ أن الصبي الصغير يتكلم بصوت عال معها ويلوح بيديه ويطلق عليها لقب حمقاء ويبدو من الواضح أنه لم يوافق على طلاقها من أبيه. لا يحب أمين زوج أمه ويريد الذهاب والعيش مع أبيه. ويلقب أمه بالأنانية ويوبخها لادعائها أن أباه مدمن مخدرات.تحاول أن توضح أنه في هذا البلد تفتقد النساء الحقوق وعليها أن تخبر المحكمة أن زوجها كان مدمنا كي تحصل على الطلاق. وتتحدث كيف أن الأفراد ممكن أن ينتموا لأنفسم فقط والحاجة إلى حب نفسك قبل أن تحب الآخرين. وهي الثيمة التي تعاود الرجوع إليها في الرحلات التالية.يحاول الابن أن يغطي أذنيه ويصرخ ويهددها برمي حقيبته خارج السيارة. من بعض النواحي لا يستطيع المشاهد أن يداري السؤال إن كان هذا الصبي الصغير هو مجرد ذكر شوفيني في حالة تكوّن، تشجعه ثقافته. لكنه ليس شخصية غير عاطفية وبينما يستمر الفيلم نرى كم أن أمه قوية وعنيدة مع الناس الآخرين حتى في تقديمها النصيحة اللاعاطفية إلى المرأة الباكية. فهي لا يمكن أن تكون المرأة الباقية في البيت التي دائماً هناك من أجله. فهي ليست من هذا النوع. إنه مستاء من هذا ويعتقد أنها أم سيئة. إن هذه الدراما مصورة تماماً من كاميرا رقمية مركبة في لوحة الرموز في السيارة (الداشبورد). لا يوجد كادر للفيلم. أحياناً تركز الكاميرا فقط على شخص واحد- السائقة أو الراكب. وفي أحيان أخرى تنتقل ذهاباً وإياباً بينهما لهذا نراهما كلاهما. في الرحلة الأولى لا نرى السائقة بل الصبي فقط. الممثلون طبيعيون غير خجولين لهذا فإن المشاهد هو مثل السارق للسمع الذي يتفحص حياة الآخرين.الرحلات التالية تتبع السائقة وأختها ثم امرأة كبيرة السن في طريقها إلى المرقد. هذه المرأة المسنة بالكاد تصمت بينما هي تروي قصة أنها تخلت عن وساوسها وذهبت إلى الحج واستمرت بالذهاب إلى المرقد للصلاة ثلاث مرات باليوم. وتتكلم عن العديد من الأولياء وتظهر مسبحتها للسائقة.في رحلة أخرى في ليل طهران تدخل بنت هوى بالخطأ داخل السيارة معتقدة أن السائق رجل. ولم تتوقف السائقة كي تدعها تنزل وتطفح بالفضول وتريد أن تسألها حول العمل والحياة. تسألها:" تظاهري بأني رجل" تسأل الفتاة بضحكة نصف مكبوتة. تضحك الفتاة وتجيب:" لم أعمل في ذلك الحقل لحد الآن". لكن السائقة تصر وتسألها عن حياتها وعن السبب في اتخاذها هذه المهنة. تدعي الفتاة أنها تحب مهنتها. تشير إلى أن الزواج أيضاَ تبادل يشمل الجنس. تدعي الفتاة قائلة:" أنتن بائعات بالجملة ونحن بائعات بالتجزئة". هذا الحوار هو واحد من أشد مشاهد الفيلم إيحاءً. إننا لم نر وجه الفتاة. ما نراه هو جسدها من الخلف من خلال الشاشة العريضة بينما هي تنزل لتجد زبوناً آخر. إنها ترتدي حجاباً و ثياباً متواضعة.يظهر الابن في مقاطع أخرى عديدة من الفيلم ونرى التغييرات التي تطرأ على العلاقة بينه وبين أمه. إنه يعيش مع أبيه الآن. لكن الواضح من الأحاديث الدائرة بينهما في السيارة بأن هناك توتراً قائماً بين الأم والابن. الاثنان قادران على المزاح حول الأب الذي تزوج مرة أخرى. تعتقد السائقة بأن هذه الزوجة سوف تكون مطيعة وخاضعة دائما في البيت وهي تطبخ وتنظف. هناك امرأة من رحلة سابقة تركب مرة أخرى وترتدي حجاباً محكماً حول رأسها. وحين ترخيه نراها حليقة الرأس ثم تخلع الحجاب. وكما تقول السائقة تبدو أفضل ورأسها حليق. ثم يتكلمان عن السبب في ذلك وهو أحد المشاهد المثيرة في الفيلم مع تمثيل من الصنف الأول على الرغم من أنه لا يبدو تمثيلاُ. ثم يعود الابن في الرحلة الأخيرة. تظهر المشاهد العشرة بصورة تنازلية من 10 إلى 1و تبدو السائقة في النهاية قد صالحت نفسها مع انتقال ابنها إلى أبيه. لو أنها لم تجد راحة البال التامة فإنها ستنتقل إلى حيث كانت. وينتقل المشاهد أيضاً من الأفكار المكررة الغامضة عن الحياة في إيران وبقية البلدان الإسلامية إلى فهم أوضح للأمور التي تتقاسمها المجتمعات المختلفة. إن حالة السائقة كامرأة لا تختلف عن الأمهات الأوربيات اللاتي يحاولن ان يوازنّ بين أدوارهنّ المختلفة والحياة العملية. وعلى الرغم من أن بلدها يمنحها حقوقاً أقل إلا أن حياتها اليومية لا تختلف عن حياة المرأة الأوربية. إنها ذكية ومحنكة وربما تبدو القصة مختلفة لو أنها رويت من وجهة نظر امرأة فقيرة لديها العديد من الأطفال تعيش في جزء معزول من البلد. تقوم فلسفتها في الدعم الذاتي على حب نفسها وهي أكثر أهمية بالنسبة لها من الدين الذي لا تتحدث عنه الكثير. غير أنها تعتمد الحلول الوسط وحين تسألها بائعة الهوى يصبح من الواضح أن زواجها الج
فيلم "عشرة" لعباس كياروستامي.. رحلات داخل حياة النساء الإيرانيّات
نشر في: 11 مايو, 2011: 05:31 م