حسين علي الحمداني في بلدين عربيين نجحت فيهما الثورات أخذت الأمور تتجه لمسارات مخيفة واتجاهات غير الاتجاهات الحقيقية والسليمة ، فأصبحت الفوضى اللغة السائدة ، وخيوط الحرب الأهلية تنسج على وقع خطوات البعض وهتافات البعض الآخر،فهل تم مصادرة الثورات؟أم ثمة سيناريوهات جديدة تشهدها هذه الدول ؟
في الجانب الأول نجد بأن مصر تقترب من حافة الحرب الأهلية رغم تهرب البعض من الاعتراف بهذه الحقيقة ، وممكن أن تكون الشرارة كاميليا شحاته ، امرأة مصرية أثارت ضجة بعد أن أخذت قضيتها أبعادا كبيرة وسط مطالبات بظهورها علنا لتؤكد موقفها إن كانت مسيحية أم مسلمة ، وبالتأكيد فإن كلا الأمرين سيقودان لحالة من التخندق بين السلفية المتشددة في مصر والكنيسة التي تجد نفسها أقوى من الدولة وتفرض إرادتها على رعيتها بوصفها الحامية والراعية لهم ، وفي الجانب الثاني هنالك الحركات السلفية التي تحاول هي الأخرى ابتلاع الدولة بما فيها .كاميليا مختفية أو مختبأة أو محجوزة ، لا أحد يعرف ماذا جرى لها ، ولكن بالتأكيد ظهورها لا يخفف من الاحتقان الطائفي في مصر الذي بلغ ذروته، فإذا ما قدر لها وظهرت علنا وقالت بأنها ما زالت مسيحية فهذا يعني تجدد الأقاويل بأنها أجبرت على ذلك وهددت لترتد عن الدين الإسلامي أو يقولون إنها ليست كاميليا بل شبيهتها كما حصل في سيناريوهات عديدة بأشباه صدام وقبل أيام أشباه مبارك والقذافي حتى وجدنا أنفسنا نغادر نظرية ( المؤامرة) لندخل دوامة (الأشباه).ولكن لا أحد يسأل في مصر ماذا يعني زيادة عدد المسلمين في هذا البلد نفرا واحدا؟ وهل بات مسلموها مرفهين لدرجة المطالبة بكاميليا لكي تعيش معهم رفاهيتهم وتأخذ حقوقها كما أخذوا هم حقوقهم ؟ ثم لماذا يحاولون إلغاء المواطنة واللجوء للهويات الثانوية القاتلة؟، هذه التفرعات التي من شأنها أن تجزأ أي مجتمع إلى (فتافيت صغيرة) وتجعل الجميع في بلدانهم (أقليات) تتصارع في ما بينها ولا أحد بإمكانه أن ينتصر.الأيام الماضية شهدت مصر تظاهرات حضرها بضعة مئات أمام الكنيسة مطالبين بإطلاق سراح هذه المرأة،أعقبها يوم السبت إحراق كنيسة في إمبابة وسط القاهرة ووجود قتلى وجرحى ومعتقلين،ولا أحد يعرف ماذا سيحدث في الجمع القادمة على خلفية هذا الحدث الذي كان صغيرا فتم تكبيره عدة مرات ليصبح قضية طويلة وعريضة قد تدفع كما قلنا لأن تشهد مصر حربا أهلية تحرق بنارها الجميع دون استثناء وتصادر الثورة المصرية وتحول مساراتها لمسارات ثانوية فرعية.القضية ليست قضية دينية بقدر ما هي صراع سياسي في ظرف حرج جدا لمصر والمنطقة بأسرها ، تحاول كل الأطراف تحقيق مكاسب على حساب الأمن والدولة والقانون والمواطنة ، وأجد بأن هذه القضية وغيرها تعكس الأجواء التي يصنعها البعض من المنتفعين قبيل موعد الانتخابات القادمة المقدر لها في أيلول سبتمبر القادم ، وتحاول كل الأطراف تفتيت الشعب المصري لجزيئات صغيرة يسهل السيطرة عليها والتعامل معها كل على حدة ومحاولة ضرب هذه الأجزاء مع بعضها البعض في مرحلة من المراحل ربما ابتدأت بكاميليا وتظاهراتها ومن قبلها تظاهرات محافظة قنا على خلفية تعيين محافظ قبطي لهذه المدينة .من هنا نجد بأن من تظاهر مطالبا بكاميليا ومن يحتجز هذه المرأة ، كلاهما تناسى بأنها في النهاية مصرية وإنهم في نهاية المطاف أبناء مصر ويمتلكون هوية واحدة ووطناً واحداً ونيلاً واحداً وأشياء أخرى كثيرة تجمعهم ، ولكن كلا المعسكرين الآن يصر على إن كاميليا على دينه وما يخشاه المواطن المصري حقا بأن تتطور هذه القضية وتكون الشعرة التي تقصم ظهر الجميع . خلاصة القول بأن عفريت الطائفية الذي صنعه البعض للأسف الشديد غير قادرين على تصريفه الآن لأنه كبر وتعملق وأصبح أمرا واقعا لا محالة. وهذا الحال ينطبق على تونس التي دخلت دوامة جديدة من العنف المبني على التصريحات القائمة على نظرية المؤامرة التي روج لها البعض في الأيام الأخيرة عبر ترويجهم لأقاويل مفادها في حال فوز حركة النهضة الإسلامية بالانتخابات فإن الجيش سيقوم بانقلاب عسكري يعيد علمانية الدولة التونسية ، فخرجت التظاهرات ووقعت المصادمات وانتهى الأمر بإعلان حظر التجوال، كل هذا يجري قبل موعد الانتخابات لتونس ومصر، ولكن إلى أن يحين موعد الانتخابات لم تتضح بعد الرؤية والمسارات التي ستسير عليها مصر وتونس خاصة وإن الباب مفتوح للكثير من الأجندات الداخلية منها والخارجية والتي من الممكن أن تلعب دورها في حسم قضية الصراع على السلطة فيهما .
كاميليا بالون اختبار الطائفية
نشر في: 11 مايو, 2011: 05:56 م