TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تشكلات الوعي ودور الطبقة الوسطى

تشكلات الوعي ودور الطبقة الوسطى

نشر في: 21 مايو, 2011: 06:01 م

عدنان الصالحيلماذا تستطيع بعض الشعوب والمجتمعات ان تحصن نفسها من امراض الاستبداد والتخلف والفساد والانحراف، وتقف صامدة امام اي محاولة لانقلاب السلطة والقوى الانتهازية على شرعية الشعب، بينما هناك مجتمعات ما زالت غارقة ولقرون عديدة في مستنقع التخلف والاستبداد والفساد، تتقاذفها جماعات ظلامية نهمة للسلطة المطلقة؟الجواب يكمن في تشكلات الوعي الاجتماعي الذي يقف بمعرفته وعلمه أمام أي انقلاب او استلاب او احتلال خفي، وهذه التشكلات تبرز من خلال قوة اجتماعية ديناميكية وفاعلة تسمى الطبقة الوسطى التي تجعل من وعي الشعب قوة حصينة وسدا منيعا أمام الانحراف والانزلاق.
الوعي مصطلح يعبر عن حالة علمية يكون فيها العقل البشري بحالة إدراك وتواصل وتفاعل مستمر مع محيطه الخارجي وعن طريق منافذه الخمسة المتمثلة بحواس الإنسان، فالحواس تنقل المعلومات الحسّية إلى جذع الدماغ، او ما يسمى (التشكّل الشبكي) RETICULAR FORMATION، والذي بدوره ينقل ويوزّع هذه المعلومات إلى المناطق المختصّة في القشرة الدماغية ثم تغذّي وبشكل ارتجاعي، التشكّل الشبكي الذي يعمل على نقل ردود الأفعال إلى الأعضاء الحركية للتعامل معها وفق معطيات يحددها الوعي العقلي للإنسان تماشيا مع مستجدّات البيئة المحيطة به، هكذا يصف علماء النفس التفسير العلمي لعملية أو ظاهرة (الوعي).ورغم وجود نتائج معتدة بها حول (الوعي) ظهرت من دراسات مختلفة حول علاقة العقل بالجّسد، والتي أثارها الفيلسوف الفرنسي (رينيه ديكارت) في القرن السابع عشر وتسأل فيها، هل للوعي أبعاد (كيان مادي) أم أنه (كيان غير مادي)؟ هل الوعي هو المحرّك لسلوكنا أو أنه موجّه من قبلنا؟. غير ان البعض الآخر أعطى (للوعي) دوراً مركزياً و أكثر فاعلية بحيث اعتبره الشرط الأساسي لنيل أي هدف لدى الإنسان عموما، كونه يمثل الطريق الوحيد للارتقاء بالمستوى الفكري واتساع آفاق الرؤية وتقوية خواطر النظر العقلي في البحث عن التطور والتصاعد العلمي والحياتي، وبالوعي يرتقي سلوك الأفراد وتحدد أهدافهم وميولهم واتجاهاتهم.فالإنسان غير قادر على إحداث أي تغيير لا على سلوكه ولا على تصرفاته ولا على محيطه إلا بعد المبادرة الى تنمية وتطوير ورفد وعيه والنهوض بمستواه الفكري، لان الإنسان بزيادة هذا الجانب إنما يزداد بصيرة في الحياة فيكون له تفكيره الخاص وقراره المستقل الناتج من جمع المعلومة ورفدها وتحليلها واستخلاص النتائج بطريقة التحليل والمقارنة والمقاربة، فينجو من اسر التقليد الأعمى والتبعية الفكرية والسير على الموروثات الخاطئة او التقليدية، وبالنتيجة يتمكن من صيانة نفسه ومن يحيطه من الانحدار او الانحراف والانشغال بتوافه الأمور او مسالك الطغيان والاستعباد.ومن اهم نتائج نمو الوعي ورقيه في الفرد والمجتمع هو ظهور (المجتمع المدني المتحضر)-كما يشير علاء الحسون في كتابه تنمية الوعي- حيث يتحصن بمفاهيم ومعايير وقيم علمية وعقلية تستمد من أصول شرعية وأخلاقية مضيفاَ لها بصماته العلمية والتاريخية ونتاجات أفراده الفكرية، ومثل هكذا مجتمع فان صفاته تتعدد وتتلون بمكاسب كثيرة منها:1- احترامه للقانون واعتباره جزءاً من نسيجه القيمي وثابتاً من ثوابت بنائه الذي لا يمكن التخلي عنه أو الانفكاك منه.2- احترام أفراده للوقت وقيمته وعدم التهاون في التعامل معه واستخدامه بشكل مثالي لترتيب أمور حياتهم باعتباره معياراً مهماً لتنظيم وتمهيد الطريق نحو السعادة المنشودة من خلال تحقيق الهدف المرسوم والمنشود بوقت محدد.3-محافظة أفراده على الممتلكات والمرافق العامة التي تعود ملكيتها للدولة وينتفع بها المجتمع و اعتبار تخريبها والعبث بها من المرفوضات عقلا وشرعا وسلوكاً غير حضاري.4- تحلي أفراده بمهارات الحوار الإيجابي وروح تقبل الرأي والرأي الآخر والابتعاد عن التعصب الأعمى الذي يؤدي إلى إقصاء الآراء وتحييدها وفرض الرأي الواحد دون النظر إلى كونه سلبياً أو إيجابياً فينتج عن ذلك إقامة السدود بين الناس وقطع الروابط وتفكك المجتمع. 5- ربط أفراده القول بالعمل بحيث لا يحث الفرد بعمل إلا بعد أن يقوم به شخصيا فيكون مصداقا عمليا لذلك.6- التعايش مع الأطراف الأخرى بنسب متوازنة وبطرق إنسانية.7- كثرة الإنتاج العلمي والاقتصادي ووفرته وتقدم المجتمع فكريا واقتصاديا وقلة الأزمات في مختلف الجوانب وارتفاع دخل الفرد عموما وحصول الاستقرار الاجتماعي.8- عدم نشوء الدكتاتوريات في مثل هكذا مجتمع سواء (الصغرى) منها في الأسر البسيطة او (الكبرى) في الجماعات والمجتمع عموما.9- تحمل الأفراد مسؤولياتهم بشكل شجاع وعدم التهرب والتملص منها بأي حجة، واعتبار كل واحد مسؤولاً بشكل جاد وشخصي عن نجاح المجتمع كلاً من موقعه.أما كيف يمكن تحصين العلم المحرك للوعي من الانحراف والذهاب وراء الخرافات، فيقول السيد المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) (... أن ذلك ينتج بمزجه بالخوف من الله والتثبت بالحقائق العلمية المتفق عليها لا التصورية وبذلك ينجو الإنسان عن سيطرة رأس المال والدكتاتورية، وإذا نجا الإنسان من هذين، صار العلم آخذاً بالزمام، لا أن يكون مقوداً للأهواء والشهوات ولا الانحرافات...). وفي جانب رفد الوعي وتنميته فلابد من إيجاد الطرق المؤدية إلى ذلك وهي تتمثل في عدة آراء منها:1- تنوع الفكر وشموليته، حيث يجب التفكير في اتجاهات متعددة ومتنوعة والنظر من زوايا مختلفة.2- تحلي الذهن بالمرونة والطلاقة والقدرة على الإتيان بالبدائل المتعددة والحلول الجديدة، باستخدام المخزون الم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram