ترجمة: عدوية الهلالي حين سئل ذات يوم عن اعمال مارك توين ، قال وليم فوكنر بأن جميع الروايات الامريكية في القرن العشرين كانت قد خرجت من " مغامرات هاكلبري فين " وبان مارك توين هو الاب الحقيقي للأدب الامريكي ..
وفي فرنسا ، لم تكن " مغامرات هاكلبري فين " التي صدرت في عام 1885 معروفة جيدا، بينما اشتهرت رواية " مغامرات توم سوير " التي صدرت عام 1876 وتم اعتبار الروايتين مخصصتين للأطفال لفترة طويلة ..ورغم انهما تخاطبان الاطفال والفتية بالفعل لكن ترجمتهما كانت بالغة الصعوبة لقدرة الكاتب على اللعب باللغة واللهجات –خصوصا –مما يصعب فهمه في فرنسا دون شك ..بيرنار هوبفنيه الذي راهن من قبل على ترجمة الروايتين السابقتين يعود الآن ليترجم رواية ( 44 ، الغريب الغامض ) وهي آخر رواية كتبها توين واستغرقت السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة من حياته ثم توفي ليتركها مكتملة ولكن غير منشورة ..اما في الولايات المتحدة فقد ترجمت هذه الرواية منذ عام 1969 من قبل جامعة كاليفونيا ، وظل النص كاملا فيها ويمكن لكل الطلبة قراءته كما اراد توين بالضبط ....ويبقى السؤال عن ماهية هذه الرواية ذات العنوان الغامض وان كانت تدور عن شخصيات مراهقة كأغلب روايات توين ..تدور احداث الرواية في انكلترا قبل قرون وفي قصر مهجور تقريبا وتحتله جماعة مؤلفة من صاحب مطبعة واسرته وعماله ..وذات يوم تنقلب احداث حياتهم بوصول مراهق رث الثياب ذي جمال يفوق الوصف ويدعي هذا الصبي ان اسمه هو ( 44 ) ..ومع مرور الايام يكتشف اوغست الذي يروي احداث الرواية –وهو فتى في سن السادسة عشرة – ان ( 44 ) هذا هو ساحر حين يراقبه في الليل ثم يتعلم بعضاً من أسراره وقواه في الخفاء ..يضع الصبي ( 44) اصبعه في كل شيء لدرجة تدخله في إضراب العمال ليتعقد كل شيء في حياة العائلة ..وهذه ليست المرة الاولى التي يستخدم فيها توين موضوع القوى الخفية والسحر، اذ استثمرها ببراعة في روايته ( بودنز هيد ولسون ) الصادرة عام 1894 وهو العمل الرائع والمجهول من قبل الكثيرين ..يعتمد توين في روايته على فكرة ( البديل ) فلكل شخصية قرين غامض كما انه يلعب بالشخصيات لعبة المرايا أي يضع امام كل شخصية ذاتها الاخرى لتواجهها ..والغريب في هذه الرواية ان توين يبدو وكأنه يفقد السيطرة على ادواته فتصبح مجنونة هي الاخرى كتلك الساعات التي تبدأ بإرجاع الزمن إلى الوراء !!ويختتم توين روايته بتشاؤم غريب اذ يصور نهاية العالم مستنداً إلى فكرة العدمية التي تحرر الفرد من كل سلطة وتنفي وجود الاله ..لذا نرى نهاية العالم بهيئة حفلة راقصة للهياكل العظمية تحت النور الغامض لنهاية العالم ..انه ينفي وجود الكون والاله والحياة الارضية والجنة والجحيم ويصر على ان ذلك ليس محظ حلم بشع واحمق بل حقيقة واقعة ..وتعود السوداوية التي كتب بها توين روايته لما مر به من مآس، فبعد ان كان المحرر الصحفي في ميسوري والربان لقارب بخاري في المسيسيبي والمنقب في وايلد ويست سعيدا بمجده الادبي وعائلته الجميلة لأكثر من ربع قرن ، تتلقفه التعاسة بمرض ورحيل زوجته ثم وفاة كبرى بناته فجأة وبعدها انهيار شقيقتها الصغرى نفسيا بشكل خطير واصابة الابن الشاب بنوبات صرع قاسية ...فجاة ، يقفر العالم من حول مارك توين ويتحول بيته النيويوركي الكبير في الجادة الخامسة الى سجن يعيش فيه وحدة قاتلة ..لأجل كل ماسبق ، يتوقف توين عن نشر أي من نتاجاته ويكرس نفسه لكتابة رواية (44، الغريب الغامض ) فضلا عن سيرته الذاتية الكاملة التي صدرت مؤخرا في الولايات المتحدة والتي انهاها عشية وفاة ابنته الشابة التي تختار يوم عيد الميلاد لتودع فيه الحياة عام 1909..بعد موتها ، يلقي توين بريشة الكتابة الى الابد ثم يموت ليلحق بها بعد ستة اشهر ..في مكتبه ، ترك توين اثرين مهمين اشبه بوصيتين اولهما روايته هذه والاخرى سيرته الذاتية وكلاهما مفعمتان بالجنون والتشاؤم والتساؤلات عن الغاز الكون ..صدرت رواية ( 44 ، الغريب الغامض ) في فرنسا مؤخرا في 280 صفحة عن دار تريسترام للنشر وترجمها عن الانكليزية او بالاحرى -( الامريكية) –بيرنار هوبفنيه ..
في روايته المنسية الصادرة مؤخراً (الغريب الغامض): مارك توين يغادر مغامرات المراهقين
نشر في: 21 مايو, 2011: 06:06 م