علي النجار مالمو لأفترض أولا بان لثقافة الفنان عاصم عبد الأمير النظرية والعملية دورا محوريا في صياغة أعماله وعلى امتداد سنوات عمر تجربته. والتجربة الفنية اصطلاح ملتبس في الثقافة النقدية العراقية. فالعمل الفني بعد إنتاجه وعرضه للجمهور، اعتقد انه يتعدى فعل التجربة المختبرية الى فعل الأداء المتحرر
من ملابساتها التي ربما تقود لتهديم العمل من اجل بنائه من جديد. وهذا الجديد هو الذي يكشف أسراره لنا.فالتجربة بهذا المعنى هي حبيسة ذهنية المحترف الفني. ولا يمكنني أن أطلق مصطلح التجربة على نتاج عاصم الغزير. واعتقد بأنه يقذف نفسه(أدواته النفسية والوجدانية للحظة فعل الرسم) مباشرة وبدون وساطة الا من ارثه الشخصي، وسط دوامة او متاهة سطح اللوحة التي اشتبك في فض بياضها او فضائها وفراغاتها..عاصم كما عرفته في الثمانينات ولو من بعيد ابن ثقافة ورقية(والتدوين ارث إنساني)، وأجدني الآن على مبعدة تفسح لي مجالا ولو بحدود لمعاينة النتاج الفني لهذا الفنان بشروطها الإدراكية بعيدا عن ملابسات الملاسنة النظرية. لقد كان ولعه في الإمساك بمسالك استبصارا ته الفنية الأولى، وكما أقرانه( فاخر محمد و محمد صبري) في مرحلتهم الأولى، وكان الإمساك بالمعادلة الفنية نظريا وقريبا من مناطق الحراك الفلسفي الجمالي والدلالي المحلي والأوربي يعزز لديهم القناعة بما يصنعونه. واعتقد ان هذا الأمر لم يكن غريبا او بعيدا عن السلوكيات الفنية لخيرة التشكيليين العراقيين في ذلك الوقت الذي كنا كلنا بحاجة لتعزيز قناعاتنا وسط اللا قناعة واللا معقولية السياسية التي كانت تلفنا والبلد بشرنقتها وكانت الثقافة بشقيها الاغترابية والأثرية تعزز لدينا الشعور بأننا لا نزال كائنات إنسانية ورثة أولئك الذين هجرونا من زمان ان لم يكونوا ضيعونا بمتاهات أزمنة بليت رقائقها. مع ذلك، فانه، وحتى في أمر الضياع هذا ثمة التباسات ادركناها متأخرا: بان لا يقينية لكل ما فاتنا، سواء كان ضائعا. ام لم يكن.الكتابة العربية(حروف، كلمات، جمل، اسطر، علامات) طاردة للفراغات برقشها العلاماتي وتنوع اقلامها الخطية. هي بصفة اخرى معادل لفعل الرسم. أي بمعنى ما، هي رسوم كلاسيكية مصغرة تمسك بفضاءات الصفحة مسكا شديدا ومقصية، في نفس الوقت، منافذ الفراغ(الفضاء). ويبدو انه و بأثر من موروثنا الخطي المبهر هذا، أصبحنا لا نميل الى اية فسحة فارغة، ربما هي تكون صنوا للخواء الذي يزاحم ما في جعبتنا من تفاصيل تسد مسامات أذهاننا وأجسادنا(سواء كنا مدركين لها، او لم نكن). هذا الصد الموروث للفضاء ـ الفراغ، مارس سطوته على الفن التشكيلي العربي بشكل عام. ولم يعف التشكيل العراقي منه. ربما اكون مخطأ في ذلك، وربما مصيبا. لكن يبقى ثمة مجال للمقارنة لا تخطأه العين. وكلما تمعنت في رسوم الفنان عاصم عبد الامير، راودتني هذه المقاربة، او المقارنة. ان لم تكن رسوم عاصم كتابية بمعنى ما. فهي بالتأكيد ذات جذر ارابيسكي. ليس كما الارابيسك في مفرداته او دلالاته. لكن، ربما لاشتقاقاته العلاماتية الخطية من ارث الطبيعة الذي حورته الذائقة الحضارية المترفة الى ما هو عليه من تشكلات تمت، ولا تمت في نفس الوقت، لجذرها الطبيعي. فالشجرة هي نفسها شجرة، كما الورقة والزهرة والغصن. لكنها ليست هي هي كما نشأتها الطبيعة وعناصرها. انها الصفحة المطوية كما المجسمة انطواء. وهذه هي ايضا من ميزات رسوم عاصم. فهل قصد عاصم ان تنحدر رسومه من نفس الجذر الأثري. وكما حاولها جواد سليم ومجايلوه في بعض من أعمالهم. الجمال، وكصفة وصيغة زمانية استيتيكية قابلة للمعاينة بتحولاتها. هي أيضا ارث الماضي وحاضر الخاصة الذوقي، كما الفولكلوري. والصفة او الصيغ التشكيلية الجمالية المحلية(الفولكلور)لا تزال فاعلة في راهن التشكيل العراقي ضمن مساحات اليفة او اغترابية. لكن ومن اجل ان تتحول هذه الصيغ الجمالية بأبعادها المتعددة إلى أعمال تشكيلية حديثة. فلابد لهذا الارث من فعل حسي انتقائي تحويلي. لكن، ونحن نعوم وسط حاضن اجتماعي انتهكته الحافات السياسية المجيشة بارث اثري لا ينوي تجاوز أزمنته الملغومة بأثقال حوادثها لا ثقافاتها العابرة. فان ثمة ثغرة تزداد اتساعا بقدر حجم مساحة النأي عن حاضر الحراك الثقافي العالمي. لقد وجد فنانو الداخل العراقي(بما الأمر صار هكذا) أنفسهم وسط فراغ هذه الفجوة الثقافية ـ الذوقية. ولا يمتلكون سوى ارثهم الشخصي، والارث العام بجذره الأثري والبيئي، وبحاضنه الآني الفولكلوري. وعلى معظمهم الخوض(بسلامة) ضمن مساحة إدراك كل ذلك. بعد ان أمست المكتشفات التشكيلية العالمية المعاصرة تخوض ضمن حواضنها القصية وبرعاية أوساط هي جزء من الحراك العولمي بألغازه ومساربه المتعددة والمحكمة او المتحكمة ببضاعته. لم تعد الغاز حراك مناطق اشتغال التشكيل العالمي ـ العولمي تفاجئنا. فان كانت غالبية الأعمال الحداثية السابقة ارتبطت بشكل عام في اجتهادات الأساليب الشخصية. فان الأمر الآن بات عكس ذلك، إذ أن ما يميز اشتغالات ما بعد الحداثة(فن اليوم) هو عموميتها أو بمعنى ما شعبيتها. لقد انتبه المشتغلون بالفن التشكيلي(بما في ذلك المؤسسات الفنية ذات الاختصاصات المتعددة ولواحقها) إلى أهمية الحراك ألما تحت ثقافة النخبة التقليدية في الأد
عاصم عبد الأمير.. ذاكرة مترعة بنسغ الاداء الفني
نشر في: 23 مايو, 2011: 06:11 م