TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الدائرة الظالم أهلها

الدائرة الظالم أهلها

نشر في: 23 مايو, 2011: 06:13 م

ماجد الشمريكنتُ أسمع قصصاً كثيرة عن الفساد المالي والإداري في العراق  بعد سقوط الصنم ، وكانت أرقام ومصاديق وشواهد وشهود هذه القصص لا تُعدّ ولا تحصى حيث لم أكن أستطيع تصورها في البداية ، رغم إني كنت أصدقها لوثاقة رواتها ووثائقيتهم .
نعم ، لم أكن أتصورها أو أستطيع تصوّرها حتى مررتُ بموقف صعب في ما يأتي خلاصته:بعد طول مراجعات ومراجعات حول مسألة متعلقة بإحالة زوجتي إلى التقاعد كدتُ أسأم المعاملة ، بل كدتُ أترك الموضوع معزّياً نفسي بأنها ( أي زوجتي ) أمضتْ ثلاثين سنة في المهجر ولم تحصل على دينار واحد من العراق ، وها هي قد قاربت الستين عاماً ، فكم بقي من عمري أو عمرها كي ننعم براتب تقاعدي هزيل لا يُسمن ولا يُغني من جوع ؟!!نعم ، كدتُ أُنهي الموضوع وأترك المعاملة من كثرة الكتب والمراجعات والروتين والتعقيدات المتعمدة وغير المتعمّدة، ولكني وعلى عادتي في خوض المغامرات واكتشاف الحقائق قررتُ مواصلة المسألة إلى آخرها ...انتهى بي المطاف يوماً في المديرية العامة لتربية الـ.... وأنا أحمل لفّة أوراق للمعاملة بلغت ملّفاً كاملاً يصل إلى خمسين ورقة . نعم ، خمسين ورقة لمعاملة تقاعد يتيمة كان يُقال سابقاً أن هوية التقاعد تصل إلى يد صاحبها وهو في دائرته دون تعب أو مراجعة أو ابتزاز أو رواح ومجيء .أقول : انتهى بي المطاف يوماً أن أقف في تلك المديرية للحصول على ( ختم ) أربع أوراق لم تكن هناك أية حاجة لختمها فعلاً  ، لأن تلك الأوراق كانت متضمّنه جميعاً في كتاب مختوم في المعاملة ، ولكن الموظفة ( الموقرة ) في دائرة التقاعد ، ورغم أني كنتُ أحتفظ بتلك الكتب مستنسخة عن الأصل، شاءت – بل أمرت – أن تُختم لأنها لم تحصل مني على شيء.دخلتُ غرفة ذاتية الثانوي لألتمس أخواتي الموظفات (العزيزات) اللواتي عرفنني تماماً من كثرة المراجعات والرواح والمجيء وكنّ قد قدمن لي مساعدات كثيرة في تسهيل مسائل إعادة تعييني ونقلي ومباشرتي وراتبي واحتساب خدمتي مع زوجتي وفي مدة زمنية دامت أكثر من عام ونصف العام في هذه الغرفة الطيبة . نعم ، لقد قامت تلكن العاملات الفاضلات ومديرهن المحترم ومدير قسمهن الذي لم يألُ جهداً هو الآخر بتقديم التسهيلات كافة لتمشية معاملتي ومعاملة زوجتي بطبيعة الحال .أكرّر : دخلت الغرفة لألتمس أخواتي وبناتي الموظفات العزيزات لكي أحصل على ختم الأوراق الأربعة ... إنها مهمة سهلة بالتأكيد ولا تحتاج إلاّ إلى همة تناول الختم ( ورصْع الكتب المستنسخة بنصف دقيقة ) لأنهن على اطلاع كامل بالأوراق والمعاملة والكتب الصادرة والواردة ،وكانت كل تفاصيل المعاملة  تحت إشرافهن وبأقلامهن ومتابعتهن .قالت لي المسؤولة الأولى عن المعاملة أنها لا تستطيع ختم الكتب ، وأن ذلك من مسؤولية مسؤولة الغرفة ... التفتُ إلى مسؤولة الغرفة فاعتذرتْ هي الأخرى محوّلة الصلاحية إلى مدير القسم ، ذهبتُ إلى مدير القسم فأخبرني أن المسألة سهلة جداً ولا مانع من ختم الأوراق .. عدتُ إلى الغرفة فحولتني ( أختي العزيزة ) إلى أخت أخرى لتعتذر هذه أيضاً ، وهكذا في غرفة واحدة . ثم أُمرتُ أن أذهب إلى غرفة أخرى بعيدة لكي أبحث عن ( الأوليات ) فلم أجد لذلك صدىً أو استجابة .عدتُ إليهن ، ثم بُعث بي إلى غرفة أخرى و أخرى صاعداً نازلاً لأكثر من ساعة ونصف الساعة بغية الحصول على التوقيع  أو ذلك الختم الميمون ! .لم أفقد صبري لأن الذي كان معي في الرواح والمجيء يُصبّرني ويدعوني إلى أن أدخل هنا ثم هناك  ، وان المسألة سهلة وسهلة جداً إن شاء الله ....عدتُ إلى مدير الذاتية المحترم ليعتذر هو الآخر عن ختم الأوراق وهكذا في جولة متعبة شعرتُ فيها تماماً بالامتهان واتّساخ الكرامة ، حتى قالت لي إحداهن ( أي إحدى الأخوات ) أن أذهب إلى دائرة أخرى في منطقة أخرى بعيدة عن المديرية لكي أبحث عن الأوليات هناك وأنا لا أكاد أصدّق ما يجري ... وقلتُ لنفسي : دعني أصبر أكثر وأتحمّل أكثر لعل الله يفرج .كل ذلك وصاحبي يرافقني و يراقبني من قريب ويرى كيف أروح وأجيء وأدخل هذه الغرفة وأخرج من تلك ، ألتمس هذه الموظفة تارة وأخرى تلك وبدون جدوى ...وأخيراً دخلتُ عليهن لكي أبحث عن حلّ يغنيني عن الذهاب إلى الدائرة البعيدة ، فقالت إحداهن : يا أخي لا يمكن ختم الأوراق لأن ذلك مستحيل ، (نعم مستحيل ! لأن الختم رسمي ويعرّضنا جميعاً لخطر المساءلة والاستجواب) ، حاولت إقناعها بأن جميع تلك الأوراق صادرة من هذه الغرفة بل معتمدة من قِبلها وإنها موثقة  تماماً وجميعهن يعلمن بذلك ، بل المديرية كلها تعلم بذلك ، بمن فيها المدير العام ومدير الملاك ومدير الذاتية والحسابات والقانونية ومدير القسم و و و ... لم تنفع كل تلك التوسّلات والالتماسات ، والجواب هو هو : إن ذلك مستحيل .خرجتُ خارج الغرفة وصاحبي يراقبني وقد بدأتُ أفقد صبري ( أي استويت باللهجة العراقية ) فقلتُ غاضباً منفعلاً بعد أن حاول إقناعي بأن تلك مسألة قانونية ، فأجبته أن تلك المسألة ليست قانونية على الإطلاق وإنما هناك وسيلة أخرى يمكن من خلالها تمرير الختم أو انتزاعه بكل سهولة .. عرف ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram