فريدة النقاش يستطيع زائر برشلونة للمرة الأولى مثلي أن يلحظ بسرعة كيف أن أهل كاتالونيا معتزون اعتزازا زائدا بقوميتهم ولغتهم الخاصة وحيث تدعو مجموعة أحزاب لانفصال كاتالونيا عن إسبانيا، والفارق بين الحركة القومية الكتالونية السلمية وحركة إقليم الباسك التي تدعو بدورها للانفصال، أن في الباسك حركة مسلحة قامت على مدى التاريخ الحديث خاصة منذ سقوط حكم فرانكو الدكتاتوري عام 1975 بعمليات مسلحة بما في ذلك ضد المدنيين في القطارات والمقاهي والشوارع، ومؤخرا قام حزب «بيلدو»
في الباسك شرق إسبانيا بإدانة العمل المسلح وهي الإدانة التي ساعدته على استعادة شرعيته وعمله العلني بعد أن كانت المحكمة قد جمدته بعد عملية مسلحة كبيرة في مطار مدريد.نعود إلى برشلونة التي بدأت رحلتي إليها بدعوة من الجمعية الكتالونية اللبنانية واتحاد النقابات الإسبانية الشيوعية لألقي محاضرة عن الثورة المصرية ووضع المرأة بعدها في مصر، وبدعوة من اتحاد النقابات الشيوعية سافرت إلى ساراكوزا عاصمة إقليم الأراجون واسمها الكامل ساراكوزا الحلوة أو بالأدق «ساركوزا اللذيذة» وهي فعلا مدينة حلوة بكل المقاييس هادئة ونظيفة لا يزيد سكانها على نصف مليون، وبها آثار شامخة للعرب والمسلمين، منها الكاتدرائية التي كانت مسجدا وتحولت إلى كنيسة ولكن بقيت فيها آثار الفن العربي الإسلامي بارزة، وكذلك قصر الجعفرية الذي تحول مقرا للحكومة وهناك أيضا ألقيت محاضرة عن المخاطر المحدقة بالثورة وأثرها على أوضاع النساء.وفي المحاضرتين كان الجمهور منصتا بحب ومتسائلا عن الأوضاع في مصر، مبديا إعجابا واحتراما للشعب المصري وثورته، والجميع يريد أن يعرف كيف يمكن أن يساعد المصريين لتخطي المرحلة الحرجة وهزيمة ضغوط الثورة المضادة، وعبر كثيرون بشكل اعتذاري عن سوء تقدير سابق للعرب وقالوا إنهم بعد الثورات العربية يعيدون النظر في موقفهم.نحن نسمي الإسكندرية «عروس البحر الأبيض المتوسط» وأستطيع الآن بعد أن قمت بجولة سياحية لمدة خمس ساعات في برشلونة التي عشت فيها أسبوعا كاملا أن أقول إن هناك عروسا أجمل على المتوسط هي عاصمة إقليم كاتالونيا الذي يضم سبعة ملايين نسمة، وهي واحدة من قوميات أربع: الكتلان والباسك جاليسيا وكاستيانو، وخوفا من انفصال القوميات قامت الدولة الإسبانية بتقسيم البلاد إلى 17 مقاطعة حتى تقطع الطريق على محاولات الاستقلال.تظاهرة مليونيةكان من السهل علي أن أستعيد أجواء الفرح في ميدان التحرير طيلة الأيام الثمانية عشرة للثورة، حين شاركت في تظاهرة من ربع مليون مواطن كتالوني في «برشلونة» يرفعون أعلام اتحاد النقابات الإسبانية الشيوعية الذي يضم في صفوفه مليونين ومئتي ألف عضو من كل إسبانيا.. كنت شاهدة عليها ومشاركة فيها صباح السبت قبل الماضي، وكان الاتحاد بالمشاركة مع مئتي جمعية من مؤسسات المجتمع المدني قد نظم احتجاجا واعتراضا علي سياسة اليمين الحاكم والاتجاه إلى إجراء استقطاعات من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، تنفيذا لسياسات الليبرالية الجديدة التي صاغها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وهيئة المعونة الأمريكية ودوائر رأس المال العابر للقارات، وإحدى أولويات سياسات الليبرالية الجديدة هي تخفيض الإنفاق الحكومي على خدمات الصحة والتعليم والإسكان وإعانات البطالة.. وتصل البطالة في كتالونيا إلي 20% من قوة العمل. وفي اسبانيا كلها 21% أي خمسة ملايين عاطل 45% منهم من الشباب المتعلم.ولم تكن حكومات اليمين وحدها هي التي طبقت هذه السياسات في أوروبا مؤخرا، وإنما حذت حذوها أيضا بعض الحكومات الاشتراكية الديمقراطية، وهكذا وجدت ردا على سؤال لم أكن قد سألته بعد لمحدثي من اتحاد النقابات حول توقع الجميع فوز اليمين في الانتخابات البلدية وبرلمانات الأقاليم التي جرت فعلا في 22 من هذا الشهر.. كانت الإجابة هي أن اليسار الاشتراكي الديمقراطي.. وهو يحكم إسبانيا الآن يتبع سياسات اليمين وقد قرر الجمهور في كتالونيا أن يعاقبه، وسوف يحدث امتناع كبير عن التصويت من قبيل عدم الثقة والاحتجاج ليخسر اليسار الذي سبق أن أرسل بأحد عشر نائبا إلى البرلمان الكتالوني من أصل مئة وثلاثين، ويمثل الأحد عشر نائبا اتحاد اليسار الذي يتكون من الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي والخضر، ويرأس اتحاد اليسار الآن بلدية برشلونة، وإذا ما خابت توقعات الجميع فسوف ينجح اتحاد اليسار مرة أخرى في السيطرة على البلدية، ويحافظ علي مقاعده في برلمان الإقليم وستجري الانتخابات العامة التشريعية في كل إسبانيا في مارس/ آذار من العام القادم، وإذا لم يعدل اليسار الحاكم الآن من سياساته، ويتخذ موقفا حازما ضد تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات سوف يخسر.ويذكرنا هذا الاتجاه القوي لليمين بما حدث في بريطانيا في ظل حكومة «توني بلير» التي تبنت كل سياسات اليمين رغم أنها حكومة عمالية وصوت لها الناخبون على هذا الأساس وهو ما أدى بالناخبين إلى الإطاحة بها بعد ذلك وانتخاب حزب المحافظين الذي تحالف مع حزب محافظ آخر هو الأحرار الديمقراطي ليتولى الحكم، وهو يتبع الآن نفس السياسات التي اتبعها العمال الذين غيروا رئيسهم بعد ذلك.ورغم الأزمة العميقة التي تهدد اليسار وجدنا في لقائنا مع قسم التعاون الدولي في بلدية برشلونة - اليسارية حتي الآن - استعدادا كبيرا لترجمة
رسالة برشلونة
نشر في: 25 مايو, 2011: 05:49 م