اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "الزخارف العربية" لجوجول..تأملات فلسفية في مسرح تاغانكا

"الزخارف العربية" لجوجول..تأملات فلسفية في مسرح تاغانكا

نشر في: 28 مايو, 2011: 06:42 م

عبد الله حبهموسكونشر نقولاي جوجول أديب روسيا الساخر مقالاته بعنوان " الزخارف العربية" (بالايطالية – arabesco) في عام 1835 ولم يدر في خلده آنذاك انها ستتحول الى عرض مسرحي بعد أكثـر من قرن ونصف القرن في مسرح " تاغانكا" الطليعي بموسكو. علما  ان مسرحيات جوجول مثل " المفتش العام " و" الزواج" والصيغة المسرحية لرواية " الأنفس الميتة "لا تفارق خشبة المسرح الروسي حتى اليوم.
وتقدم مسرحياته في جميع مسارح المدن الروسية بالإضافة إلى إخراجها في السينما والتلفزيون.  وأشار جوجول في مقدمة "الزخارف العربية" الى انه كتب هذه المشاهد "في أوقات مختلفة ومراحل متباينة من حياته، ولم يكتبها بطلب من أحد. انها نابعة من الروح ، وقد انتقى مادتها مما كان يشغل فكره بقوة...". وحسب قوله "لا يحق للكاتب إذا ما تضمن ما يبدعه حقيقتين او ثلاث إخفاء ذلك عن القارئ". وبرأيه ان العالم مثل الدوامة – حيث تتحرك فيه الآراء والأفكار بصورة دائمة. والزمان يغربل ما يرد منها. فيتطاير منها الزبد جفاء  وتبقى الحقائق الثابتة على الأرض . ويتحدث جوجول في "زخارفه " عن النحت والرسم والموسيقى وعن انجازات عصر النهضة الأوروبية وأثرها في مسيرة الحضارة البشرية  وعن مسقط رأسه في أوكرانيا وتقاليد وعادات أهلها وعن الخليفة العباسي المأمون الذي شهد عصره ازدهار الحضارة العربية ووصفه جوجول بأنه"حول  مغزى الدولة السياسي إلى دولة إبداع..وكان طبعه يتسم بالنبل . وشعاره البحث عن الحقيقة. لقد أحب  المأمون العلم دون مطامع  ومآرب شخصية .. وكان يجسد التعطش الحقيقي في المعرفة".ولا يعرف السبب الذي جعل هذا الكاتب يتحدث عن شخصية عربية إسلامية بهذه الصورة، ولو ان غالبية كتاب روسيا لجأوا في أوقات مختلفة الى تضمين أعمالهم الإبداعية المواضيع العربية والإسلامية. ويكفي ذكر " محاكاة قرآنية " لبوشكين ومقالات تولستوي ودوستويفسكي وبونين  وغيرهم عن المواضيع العربية والإسلامية، بخلاف زملائهم في الغرب.لقد عاش جوجول 42 عاما (1809-1852 )، وكانت حياته مليئة بالغموض والأسرار. فلم يعرف حتى اقرب أصدقائه شيئا عن حياته الخاصة وما يدور في رأسه من أفكار ومشاريعه الأدبية. ولم يعرف جوجول الحب او لم يكشف عشقه لامرأة لأحد حتى لصديقه الحميم شاعر روسيا الأكبر الكسندر بوشكين الذي أعطاه فكرة مسرحية " المفتش العام" ورواية " الأنفس الميتة". لقد كان هذا الكاتب الساخر متعدد الوجوه فهو مريض وعصبي وكثير الشكوك ومتدين جدا، ويبدو أحيانا بهيئة الواعظ والناقد لمجتمعه والشاكي من مصاعب الحياة. عاش طوال حياته بعد ان فارق والديه فقيرا معدما . وأمضى حوالي 10 أعوام بعيدا عن وطنه متنقلا بين ايطاليا والنمسا وألمانيا. وفي آخر عام من حياته قرر الذهاب الى القدس حيث زار كنيسة القيامة  وصلى عند قبر المسيح. وعاد إلى روسيا بعدها ليعلن "اضرابا عن الطعام" في فترة الصوم الكبير . وعندما حاول الأطباء معالجته رفض بشدة. واستلقى على الكنبة  بملابسه الكاملة وجزمتيه ووجهه إلى الجدار. ففارق الحياة في بيت صديقه الماركيز ألكسي تولستوي في موسكو. وعمد في العشية إلى إحراق  الجزء الثاني من روايته " الأنفس الميتة" وبعض الأوراق الأخرى.. وكذلك الرسوم فقد كان جوجول رساما موهوبا أيضاً. ولا يعرف حتى الآن سبب هذه الفعلة التي أفقدت الأدب الروسي ربما إحدى الروائع الروائية. وقد كتب جوجول يقول:" ان أبطالي قريبون من روحي ، لأنهم خرجوا من أعماق الروح.  كما ان جميع أعمالي الأدبية الأخيرة هي قصة روحي نفسها". وقال أيضاً" ان "الزخارف العربية" هي كتاب عن مختلف الأمور او "موسوعة جيب"عن الحياة في روسيا في أواسط القرن التاسع عشر. وكتب جوجول في إحدى رسائله :" حين بدأت اقرأ أمام بوشكين الفصول الأولى من رواية " الأنفس الميتة" وجدت إن الوجوم صار يخيم على بوشكين الذي كان يضحك دوما لدى قراءتي لأعمالي.. وازداد هذا الوجوم شيئا فشيئا حتى تحول في نهاية المطاف إلى تجهم تام. وحين أنهيت قراءتي قال بصوت ينم عن الكآبة " يا ألهي ، كم هي محزنة بلادنا روسيا!"، مما أثار عجبي. ان بوشكين الذي عرف روسيا جيدا لم يلاحظ إن كل ما كتبته هو صور كاريكاتيرية ابتدعتها بنفسي !". وبرأيه ان الفن يصبو دائما الى الخير – سواء بعرض الأمور بصورة سلبية او ايجابية. ويجب على الكاتب ان يأخذ فكرته الإبداعية من اجل أن يعيدها إلى القارئ  بشكل أنقى وأفضل.حقاً لقد أراد المخرج لوبيموف كبير مخرجي مسرح تاغانكا الشهير ان يقدم في عرضه المسرحي صورة عن جوجول الحي بدون رتوش. انه جوجول الناقد للمجتمع الروسي والمعبر عن روح الإنسان الروسي والشاكي من مصائب الدنيا والمتنبئ بمصير روسيا في أيام استشراء الفساد وضياع القيم والضائع في دوامة الحياة القاسية. ان جوجول شخصية عبقرية حقا. والحياة بالنسبة له عبء ثقيل ، اما اللغة فلا حدود لاستعمالها وتسمو فوق الظاهرة التي يكتب عنها.( إن أعمال جوجول قد ترجم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram