اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فـي معرض فاروق حسن الأخير.. الأسلوب والفكرة المبيتة

فـي معرض فاروق حسن الأخير.. الأسلوب والفكرة المبيتة

نشر في: 29 مايو, 2011: 05:21 م

صادق الصائغفاروق حسن واحد من رسامينا العراقيين الذين احتازوا، بعد سعي في شعاب متعرجة، موقعاً متميزاً  داخل التاسيسات المعاصرة والمعقدة للتشكيل العراقي الذي تتبعه، بهذا القدر او ذاك، ساير الحداثة في الغرب منذ بداية الخمسينات، وهو مثلهم، يحاول التوصل الى خطاب بصري خاص به ،ضمن السياقات التي استولدها في العراق الرائد جواد سليم واتسمت بوعيها الجديد لوظيفة الرسم وفتحت للأجيال اللاحقة فرص التجريب على مسارين، الأول يتمسك بإبقاء المجسد عنصرا مهما في اللوحة والآخر يتخلى عنه، وصولا إلى التجريد الذهني.
طريقة فاروق ، كما يتراءى لي ، تقف في منتصف الطريق ، فهي من ناحية، تتمسك بمرجعيات الرسم : التجسيد والهيكلية الطبيعية، مع بعض التحويرات التي اقترحتها بواكير الانطباعية الأولى، في محاولة لردم الهوة القائمة بين القديم والحديث، وقد حققت تجربة فاروق نجاحات سبقت هذا المعرض وحققت  حضورا يدمج بين الواقع والاختلاق ، وامتازت غالبية لوحاته بالدقة وحسن الأداء، محتفظة  بالتوازن بين الماضي والحاضر، مع رغبة واضحة للاقتراب من جمهور عام لا يتسع صدره لاندفاعات الحداثة إلا بحدود وعلى مضض.ومقارنة  بمجايلين له جربوا صدمات التحديث وأساليبه، سواء ممن وضعوا لمساتهم في أعمال تعكس طابعا محليا او عالميا ، مرة بمعالجة مستنسخة وأخرى بتصرف، نجد ان فاروق يقف على مبعدة من هذه المغامرة فهي باهظة الثمن بالنسبة لرسام ناجح ، خاصة وهو لم يتأكد بعد من درجة ومدى تجانسها مع قدراته ، أن بصرياته تشعرك بحس الاكتفاء بنظام يسبق فيه التصميم التعبير ، لكن بطريقة لا ينقصها النقاء ولا المهارة ولا دقة الأداء.   إن فاروق يعتني باللون، باعتباره العنصر الأكثر إثارة والأكثر تأثيراً بين العناصر الأخرى. إن ألوانه هادئة، ملمسها صقيل ،و تتمتع بوفرة غنائية تستند الى مزج الألوان الرئيسية الثلاثة بطريقة متجانسة ،وعلى مبعدة من التناقضات اللونية الصارخة . من جانب آخر نراه يطرح  التقنية والمهارة كمحاور إزاحية تسبق ما عداها ، فهي هنا باذخة، سلسة ، نظيفة ، خالية من أية شائبة ، وهي الأكثر قدرة على التفاعل والأوفر حظا ً في التأثير على العناصر الأخرى.  وهناك أيضاً الحركة  وحسن التركيب وزاوية النظر وتناغم الكتل ،وهذه العناصر التي تتواجد على سطح لوحة فاروق ، تحقق له  نبرة بصرية يتعرف عليها المشاهد منذ اللحظة الأولى ، ويمكن القول أنه من فئة  الفنانين القلة الذين لا يحتاجون لوضع تقوقعهم على الكنفاس، ليس لأن لهم أسلوباً ، بل لأنهم تتبعوا أسلوبا شائعا لا يخرج عن جدود ما أنجزه الذين ارتأوا ان " التقنية " ينبغي ان يكون لها الحضور الأول.  واليوم هناك من يرى ان الأساليب اقتصرت على بعض من نابغين عالميين، ابتدعوا الأساليب وأغلقوها بالتجريد شبه العلمي الذي توصل اليه الرسام الروسي الأصل كاندنسكي، ثم بالإدخال الحازم للعلوم كجوهر للرسم، كما هي الحال في" واقعية الكم" عند محمود صبري. وبإغلاق باب الاجتهاد واقتصاره على رواد المدارس الأولى، لم يبق للأجيال اللاحقة غير التوسع بإيجاد فروع وتشعبات مفتوحة على عالم حداثي جديد، لكن داخل دائرة الريادات الأولى ..  بالطبع لا يخلو المشهد التشكيلي العراقي المتأثر بحداثة الغرب، من رسامين أنجزوا تجريدات معاصرة ذات توقعات وايقاعات غير منتظرة ، لكن النابغين منهم  وجدوا أن  ما توصلوا إليه إنما هو مزاج شخصي تابع أكثر منه أسلوباً ، وهو في كل الاحوال يمثل صداما بين الرسم التقليدي الذي تعلمه الرسام وبين حاجته الى حرية أوسع .وبشكل عام ، فإن التشكيل العراقي ، وهذا ما يراه أغلب النقاد ، لم يتوصل، حتى في أعلى صعداته، إلا على ترجيعات أسلوبية جربها الغرب وأشبعها تجريباً، ويلاحظ المتتبع ، على مستوى البلدان العربية ، ان موهوبين ، بينهم عراقيون بالطبع ، تسارعوا ، قصد اللحاق بثورة الأشكال في الغرب، الى تجريب إسلوبية شكلية خاصة بهم ، لكنهم ، بمرور الوقت ، وجدوا أنفسهم داخل قفص الكليشة التي يصنعها الرسام لنفسه والتي تحدث عنها الرسام الشهير بولوك ، ولعل اكثر الأقفاص إحكاما هي تلك  تصنع بنية مبيتة وعشوائية ، وهذا سماه الناقد سهيل سامي بـالـ " ستامبات "التي تسد الطريق و تفضي الى مشارف النسخ وإعادة ما تم انجازه سابقا. وبشكل ما نستطيع القول ان رسومات فاروق تنجح في  توليد شحنات جمالية يحبها جمهور واسع، وهو نفسه كرسام - يهتم بهذا الجمهور أكثر من اهتمامه بإيصالها الى النخب الانغلاقية .في منحوتات جياكو متي تظهر فكرة التكرار، لكن بقصد نوعي مغاير، المشخصات  تتكرر أيضا، لكن بعد شحنها بأفكار وتداعيات تعبرعن مزاجه الداخلي وتجعل أصنامه تتفاعل ، دون إفصاح مباشر، مع ما يحيطها من فراغ ،.. بهذا التكرار يرسم جياكومتي جدارية لا نهاية لها تزيح ، بتدفقها و تناسلها ، ما قبلها من سكون مموه، وكلما تتبعنا مسلسل التداعيات وجدنا فكرة جديدة داخل فكرة سبقتها.على غرار جياكومتي – ربما- ،   فاروق يكرر ، هو الآخر؛ تنويعات مشخصنة يوزعها على سطوح لوحاته قصد استحداث مناخ إيحائي ذي دلالة ، حيث نرى " فكرات " لنساء جميلات يشكلن بؤرة تسرق العين نساء متجمدات أمام عدسة المصور، كما لو كن عارضات أزياء او موديل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram