الكتاب: الحرب الباردة – تاريخ جديدالمؤلف: جون لويس كاديسترجمة: عبد الخالق عليقبل سنوات عدة ، بالتحديد في ديسمبر 1991، اخبر الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشيف شعبه بان الحرب الباردة قد انتهت. وعند توقيعه القرار الذي حل بموجبه الاتحاد السوفيتي و انهى التنافس الشرقي – الغربي ، أعلن غورباتشيف أيضاً نهاية سباق التسلح و " التعبئة العسكرية الجنونية " التي "شوهت" أفكار بلاده و" قوضت " قيمه الأخلاقية. و ربما الأهم من ذلك، ادعاؤه بان " التهديد بحرب عالمية " قد انتهى .
مع موت الاتحاد السوفيتي ، كان العالم يبدو مهيئا لدخول عهد لم يعد فيه الخوف من حرب كارثية تؤثر على البشر . كثيرون كانوا يعتقدون ان الحرب الباردة ستفسح المجال لعصر أكثر أمانا . لكن الأمر لم يكن كذلك . خوف الأمس من صواريخ بالستية عابرة للقارات تنهال على مدينة نيويورك او واشنطن ، حل محله اليوم الخوف من الهجمات الانتحارية و القنابل القذرة . اليوم ينظر المرء إلى عقود ما بعد الحرب، حيث يبدو إن الولايات المتحدة كانت تفهم منافسها و تؤمن بان الزعماء الروس لم يكن من المحتمل أن يتصرفوا بتهور. على أية حال ، فان المنطق البارد للحرب الباردة كان يعني إن أي هجوم سوفييتي على الولايات المتحدة كان سيقود إلى رد فعل سريع و مدمر . بينما يجهد زعماء الولايات المتحدة في إدارة ألغاز أميركا الخارجية الحالية ، فان كتاب " الحرب الباردة : تاريخ جديد " للمؤلف جون لويس كاديس ينقلنا إلى عهد مبكر مضى . بتفاصيل واضحة ، يتعقب كاديس – استاذ التاريخ في جامعة يال – تاريخ الصراع الذي ساد سياسة العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أوائل التسعينات (1990 ). كم يبدو ذلك طويلاً. كان كاديس – ابرز المؤرخين الذين كتبوا عن الحرب الباردة – يكتب عن الموضوع لأكثر من ثلاثين عاماً. لكن بعكس العديد من كتبه السابقة المكرسة للدارسين ، فان هذا الكتاب موجه الى عدد أوسع من القراء، إلى أولئك الذين يريدون أن يفهموا كيف بدأت الحرب الباردة و لماذا انتهت ؟ . بهذه الأهداف، نجح كاديس نجاحا رائعا . في الواقع ، ان كاديس قد كتب أفضل معالجة ، بمجلد واحد ، للصراع بين الشرق و الغرب ، من خلال تدقيقه كيف إن الزعماء كأفراد و الإيديولوجيات المختلفة و السياسة الداخلية و التهديد النووي قد أطّرت ذلك التنافس . لقد أنتج كتابا محفزا. من خلال تقدير أصول و أساسيات الحرب الباردة – و هو موضوع أشعل منذ زمن طويل شرارة الجدال المرير بين المؤرخين – فان كاديس يضع مسؤولية الصراع بالكامل على عاتق ستالين و الاتحاد السوفييتي . (بعض المؤرخين يلقون بالمسؤولية الأساسية على الولايات المتحدة ) بينما آخرون يدعمون إلقاء اللوم على موسكو و واشنطن على حد سواء . يزعم كاديس ان للولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي رؤى مختلفة لعالم ما بعد الحرب . فالاميركان لديهم رؤى جانبية متعددة تسعى لاجتناب الحرب عن طريق تشجيع التعاون بين الدول العظمى ، و رعاية تقرير المصير السياسي و الاندماج الاقتصادي ، و الاعتماد على الأمم المتحدة في رفع درجة الأمن لكافة الدول .لكن رؤية ستالين لما بعد الحرب كانت مختلفة تماما ، فقد سعى الدكتاتور السوفيتي إلى ترويج المصالح الروسية من خلال تأسيس حلقة من الدول غير الديمقراطية حول المحيط الغربي الذي يحد بلاده ، و في نفس الوقت ينتظر المنافسين الذين يعتقد انهم سيسببون تصدعات أو ربما حربا بين الدول الرأسمالية . و كما يذكر كاديس ، فقد كان ستالين مقتنعا بان " الاقتتال الرأسمالي " بالنتيجة سوف يسمح للسوفييت ان يصبحوا اسياد أوروبا . بالإضافة إلى استكشاف كاديس لأصول الصراع ، فانه يقدّر كيف إن الأسلحة النووية و الإيديولوجية قد أثرت في ذلك الصراع . لقد ساعدت القنبلة على حفظ السلام بين موسكو و واشنطن لأن استخدامها أولا كان يعني رد فعل كارثي مؤكد . من هنا، لم تكن خيارا مشروعا لصانعي السياسة العقلانيين . في المجال الإيديولوجي، يكتب كاديس بان إيديولوجية كل دولة كان " المقصود منها منح الأمل " (كما تفعل كل الإيديولوجيات) . لكن بينما تعتمد إيديولوجية ما على "خلق الخوف "، فان غيرها " لا تحتاج إلى فعل ذلك ". و يزعم بان هذا يفسر عدم التناظر الإيديولوجي الأساسي" للحرب الباردة " . لشدة دهشة المراقبين، حتى الدهاة منهم ، فقد وصلت الحرب الباردة إلى نهاية سريعة ما بين 1989 و 1991. و بينما ساهمت إجراءات ميخائيل غورباتشيف و رونالد ريغان و البابا جون بول الثاني في التوصل إلى نهاية سلمية للصراع ، فان زعماء العالم لم يتوسطوا لإنهاء التنافس . و كانت إجراءات " عامة الشعب " حاسمة ، كما يعتقد كاديس، إذ إن المواطنين في بودابست و و أرسو و لايبزغ و براغ و بوخارست هم الذين حطموا الأصفاد التي كانت تقيدهم لسنوات طويلة. لقد قرر غورباتشيف بان موسكو لم تعد مستعدة للإبقاء على النظام القمعي القديم . إلا أن تحرير الملايين قام به رجال و نساء لديهم القدرة على رؤية حياة أفضل
الحرب الباردة: كيف بدأت و لماذا انتهت؟
نشر في: 30 مايو, 2011: 05:31 م