TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العراق.. فرص ما بعد الكارثة

العراق.. فرص ما بعد الكارثة

نشر في: 1 يونيو, 2011: 05:51 م

حسن الجنابي ما حدث للعراق منذ الحرب الأولى مع إيران، وحرب الخليج الثانية، وما أعقبها من مقاطعة اقتصادية وممارسات، توجتها الحرب الأخيرة التي أسقطت نظام الحكم السابق في عام 2003 ، لا يمكن وصفه إلا باعتباره سلسلة متصلة من الكوارث الكبرى قلّ مثيلها في العالم الحديث.
 وأظن ان آمال غالبية العراقيين انتعشت، بالرغم من هول الكوارث والخسارات، الإنسانية منها والاقتصادية، بإمكانية الانتقال الى بديل أفضل، يعيد للوطن كرامته المنتهكة، ويضع البلاد على طريق التحرر والتقدم، بعد ان شهدوا الانهيار المريع للدكتاتورية التي حكمت بالحديد والنار، وخاضت حروبا مدمرة أدت الى إفقار شامل لمجتمع يمتلك ثروات بشرية ومادية معتبرة، وكان يحث الخطى نحو مستقبل آمن ومزدهر. فالكوارث التي أصابت شعوبا أخرى غالبا ما شكلت محطات انطلاق لبرامج وسياسات نهضوية جديدة، عوّضت عما حدث من خسائر وآلام، وأعادت للأمم ثقتها بنفسها، فانطلقت في رحاب التنمية في القطاعات المختلفة للاقتصاد. وهذا ما حدث – على سبيل المثال - في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وفي مناطق أخرى من العالم لسنا في وارد الحديث عنها هنا. ان نهوض ما بعد الكارثة ليس قانونا طبيعيا تشهده الشعوب كافة بشكل تلقائي، ولكن فرص المراجعة الجذرية للظروف التي جلبت تلك الكوارث تصبح اكبر بعد ان يفيق الناس من ذهولهم، أو كبوتهم وسط الحطام والخرائب، فينتفضون أولا من اجل إسقاط الطبقة (النخبة، الحزب، الدكتاتورية) السياسية التي قادت البلاد الى الهاوية، ويسعون الى استبدالها بفئة أخرى. ثم يجري تحديث سريع وسن لقوانين وتشريعات مناسبة،  وترسم خطط النهضة والتنمية، وتنفذ بوسائل وطرق تشاركية وغير ذلك من الإجراءات الضرورية الأخرى الهادفة بالنتيجة الى تعزيز وحدة الشعب وتحقيق التنمية. تعترض هذا النهوض عوائق جمة في مرحلة انتقالية، تطول او تقصر ارتباطا بعوامل متعددة، ويتأثر بها الزخم الوطني الساعي للانعتاق من القهر والظلم والخراب، والحالم بالانطلاق في رحاب التقدم والازدهار والديمقراطية الحقيقية.لا يشذ العراق بالطبع عن هذا النسق المألوف. وقد تحققت بالفعل خطوات جدية للقطيعة مع الإرث الدكتاتوري، كإقرار الدستور الذي يضفي الطبيعة التداولية على السلطة، والاحتكام للانتخابات والالتزام بالمحددات الزمنية المتفق عليها لبعض القضايا الكبرى وغيرها. ولا حاجة للتذكير بأن التجربة العراقية  ما زالت في طور النشوء بالرغم من انقضاء ثماني سنوات على سقوط النظام، وهي فترة طويلة نسبيا، خاصة وأن مؤشرات تنمية الاقتصاد العراقي مازالت متواضعة.القطاع الزراعي نموذجاما ينطبق على القطاع الزراعي ينطبق في معظمه على القطاعات الاقتصادية الأخرى، ولكننا نطرح أمر الزراعة بحكم العمل والاهتمام والاختصاص والتجربة. فالعراق تاريخيا  بلد زراعي، وكان الموئل الأول للنشاط الزراعي منذ فجر الحضارة. وقد أثبتت التنقيبات الأثرية ان زراعة محاصيل القمح والشعير والتمور والعدس بدأت في العراق قبل غيره من الأماكن. كما شق العراقيون الأوائل، في خطوة هائلة في سلّم التطور البشري، قنوات المياه، وأنشأوا شبكات الري لإرواء محاصيلهم، ونظموا شؤونهم بقوانين، تكللت بشريعة الملك البابلي العظيم حمورابي. لكن العراق أصبح، في فترة متأخرة نسبيا، بلدا نفطيا، وتراجعت الزراعة فيه، بل تدهورت الى حدود كارثية، بدلا من ان يستمر كبلد زراعي- نفطي، تدعّم فيه عائدات الثروة النفطية قطاعه الزراعي الذي كان – وما يزال- يشغّل فئات كبيرة من الشعب. لم تستخدم الثروة النفطية في خلق التنوع المطلوب لمصادر تنمية الاقتصاد، بل جعلته اقتصادا أحاديا، أهملت إثره القطاعات الاخرى، ومنها القطاع الزراعي، ولم تجلب الثروة الجديدة هذه إلا المزيد من التدمير والحروب والاضطهاد، بالإضافة الى تعزيز سطوة الطغمة الحاكمة وقدراتها القمعية. وقد كانت حصة سكان الريف والمزارعين العراقيين من الثروة النفطية هي النزوح بعيدا عن أراضيهم والتجنيد والافقار وغير ذلك.مع ذلك وحتى في القرن العشرين، وبالرغم من سنوات القحط، والانتشار النسبي للفقر والبؤس وتخلف علاقات الإنتاج الريفية، فقد بقي العراق مكتفيا، الى درجة معقولة، من إلا نتاج الغذائي المحلي. بل أنه كان يصدر محاصيل معينة لفترات معتبرة. لكن الوضع شهد تدهورا كبيرا في الربع الاخير من القرن، ووصل الى ادنى مستوياته على مشارف الحرب الأخيرة عام 2003، بعد مقاطعة اقتصادية غير مسبوقة، تمخضت عن تحطيم القدرات التنموية للبلاد، بحيث بلغت النفقات الاستثمارية، حسب ارقام البنك المركزي العراقي، أقل من (3) مليارات دولار  للسنوات من 1990 الى 2003، مقارنة بـ (141) مليار دولار للفترة من 1978 الى 1989. لا يعزى تدهور القطاع الزراعي الى نقص الاستثمارات فحسب، بل أيضاً الى تزامن حدوث حروب متعاقبة مع بناء السدود التخزينية على نهر الفرات وروافد نهر دجلة وتحويل جريان بعضها في دول الجوار، والتجفيف المتعمد للاهوار العراقية في التسعينيات، وتعاقب حالات جفاف قاسية كما حصل بين عامي 1989 و1993 (وخاصة في حوض النهر حيث تزامنت مع تشغيل سد اتاتورك ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram