اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فؤاد رفقة الذي مات وفيه شيء من ريلكة

فؤاد رفقة الذي مات وفيه شيء من ريلكة

نشر في: 3 يونيو, 2011: 06:40 م

نجم والي عندما دخل الشاب الصغير إلى معهد غوتة في بيروت لم يعتقد إن تلك اللحظة ستقرر مستقبل حياته، هناك على أحد الرفوف لفت نظره كتاب جعله يتوقف عنده، مَنْ منا نحن عشاق الكتب النادرة لا يعرف ذلك، هناك بعض الكتب تظل  مستلقية هناك على الرفوف زمناً طويلاً، ربما غطاها الغبار، لكنها لا تصرخ إلا عندما ترى مَنْ انتظرته طويلاً،
"مراثي دوينو"، هو أحد هذه الكتب، وإلا ما الذي جعل الشاب القادم أصلاً من "الكفرون"، قرية سورية صغيرة واقعة في إقليم النصارى، لم تعرف كتاباً غير الإنجيل، أن يتجه صوب الكتاب ذلك مباشرة، لا يأخذه بين يديه، يقلبه ثم يبدأ بقراءة قصائده المترجمة عن لغة وسيطة، الإنكليزية، وحسب، بل أن يضعه في جيبه ويأخذه معه إلى البيت؟عندما يروي الشاعر اللبناني السوري الأصل فؤاد رفقة تلك الحادثة التي حدثت له قبل ستين عاماً، عندما كان ما يزال في العشرين من عمره، يحمر وجهه خجلاً، لا يريد أن يُقال عنه إنه سارق، رغم إن سارق الشعر هذا ربما لتربيته المسيحية أو  ربما لحبه أن يقرأ آخرون القصائد ذهب بعد أسبوع إلى مدير معهد غوتة في دمشق، واعترف له بسرقة الكتاب. ضحك المدير في حينه، يقول رفقة، وطلب منه أن يحتفظ بالكتاب، سيوصون بجلب نسخة جديدة إلى المكتبة، ولمفاجأته أكثر، لم يعرف رفقة أن المدير سيكافئه أيضاً بمنحة دراسية في الجامعات الألمانية عن طريق مؤسسة دي آ دي للتبادل الثقافي ليبدأ بعدها مشواره الحياتي، وأين؟ في مدينة توبينغين في إقليم بادين فوتينبيرغ، هناك حيث أقام قريباً من جامعتها قبله بعقود الشاعر الذي سترتبط حياته به كلها، راينر ماريا ريلكة.المدينة التي تشتهر حتى اليوم جامعتها بتدريسها الفلسفة والتي درس فيها العديد من الفلاسفة الألمان، كانت على الدوام مزاراً للشعراء الألمان، من هنا مرّ شيللير وغوتة، هنا أقام هولديرلين وريلكة، فؤاد رفقة يعرف ذلك، الدرس الأول الذي تعلمه هناك هو ارتباط الشعر الألماني بالفلسفة، من الصعب الفصل بين الاثنين، الشعر الإنكليزي مثلاً يعتبر الفلسفة هرطقة، الشعر الفرنسي يلعب باللغة، فقط الشعر الألماني، الفلاسفة الألمان نظروا للشعر نظرة احترام والعكس صحيح أيضاً، بعض الفلاسفة كتبوا الشعر أيضاً، نيتشة مثلاً، أما هيديجر فمن الصعب تصور فلسفته بدون علاقتها بهولديرلن، كل ذلك جعل ترجماته للشعر الألماني تحمل نكهة خاصة، خاصة ترجماته التي توازت مع دارسته الجامعية للفلسفة الألمانية، أو رافقت سنوات عمله أستاذاً للفسلفة (الفلسفة الألمانية بصورة خاصة) في الجامعة الأميركية في بيروت، رفقة نفسه يعرف ذلك، ولا أظن أن مترجماً في البلدان الناطقة بالعربية اعترف مرة بخطأ أو قصور ترجمات له كما صرح رفقة بخصوص ترجماته الأولى لريلكة، تلك هي ميزته، أن يظل أميناً للهدف مشروعه الذي أسس حياته عليه: أن يكون جسراً روحياً ووجدانيا بين الثقافتين الألمانية والعربية.ولكن حتى الترجمات هذه، "الهرمة" أو "الركيكة" كما وصفها محرر ثقافي لبناني "نمام"، أثرت على جيل كامل من الشباب. أتذكر دهشتي وأنا أتصفح كتاب "مراثي دوينو"، كانت بداية قراءاتي، ولحسن الحظ مبلغ مصروف الجيب الذي كان في حوزتي سمح لي بشراء الكتاب، كانت تلك هي المرة الأولى التي عرفت بها باسم ريلكة، وشكراً لفؤاد رفقة الذي جعل شاباً صغيراً مثلي يعثر على رفيق روحي له، وأين؟ في المكتبة الوحيدة في العمارة، في مدينة صغيرة في جنوب العراق، "مراثي دوينو" وبعدها "أغاني أورفيوس"، أصبحا بمثابة إنجيلين لجيلي، تناقلناهما من يد إلى يد."مراثي دوينو"، الذي هو بداية علاقتي بالثقافة الألمانية، والتي انتهت بدراستي للأدب الألماني أولاً في جامعة بغداد، ثم تكملة الدراسات العليا في جامعة هامبورغ، هو أيضاً بداية لرحلة طويلة للشاب فؤاد رفقة، حصيلتها ترجمة إحدى عشرة مجموعة شعرية ألمانية إلى العربية، آخرها "قصائد ألمانية معاصرة"، والتي ترجم فيها رفقة أكثر من 36 شاعراً إلى العربية، حتى أن أحد النقاد الألمان علق قائلاً، أن الرجل هذا أنجح العمل هذا وهو ما يزال يمشي على قدميه.أنا الآخر تعرفت على رفقة وهو ما يزال يمشي على قدميه، التقينا قبل عامين في مبنى وزارة الخارجية الألمانية، ليبدأ لي معه مشوار بتقديم الثقافة الألمانية في البلدان العربية، كم رأيته سعيداً وهو يتنقل معي، كأنه عثر على المهمة التي انتظرها طوال حياته، أن يكون سفيراً للثقافة الألمانية، سواء في جولتنا الأولى في كانون الثاني 2009 عبر مدن وجامعات الإمارات العربية المتحدة، أو في جولتنا الثانية في أبريل/نيسان 2010 عبر بعض مدن المملكة العربية السعودية، في الجولتين، وبدعوة من السفارتين الألمانيتين هناك، عشت رفقة المثقف الجدي، وأستاذ الجامعة الدقيق في كل شيء، رفقة الملتزم بالبرنامج أكثر من الألمان، وعندما أراه يقف عند باب غرفتي في الفندق في الساعة الثامنة صباحاً، كما هو المطلوب، اقول له، فؤاد نحن لسنا في ألمانيا، فيضحك، ويقول لي، "والله؟ مو هيك؟"، ثم حدثني عما حصل له في عام 1961 عندما بدأ بالتدريس في الجامعة الأميركية في بيروت، كان يمنع الطلاب المتأخرين، حت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram