ابتسام عبد الله قبل ثلاثة أعوام تذكرت وسائل الإعلام مرور الذكرى الـ40 لانتفاضة شهر أيار عام 1968 في باريس. وشهدت تلك الذكرى أنشطة كثيرة احتفالاًَ بتلك الانتفاضة إحياء لها، معيدة إلى الأذهان، ما حدث بعد ذلك من تراجع اقتصادي وانتخاب حكومة يمينية.
لقد شهد العالم قبل أعوام، طلبة الجامعة يحتلون الجامعات عبر المملكة المتحدة البريطانية، ومئات الألوف ينظمون مسيرات ضد الحكومة احتجاجاً على سياستها الاقتصادية. ومن اجل تسجيل تلك الأحداث وتوثيقها، أصدرت دار (فوركورنيرز) كتاباً حمل عنوان (جمال في الشارع)، يضم الصور الفوتوغرافية والملصقات التي ظهرت ورافقت انتفاضة باريس عام 1968.وفي خلال شهر أيار ذلك، بينما كان الطلبة يشتبكون مع رجال الشرطة، كان ملايين العمال في إضراب عام، بينما احتل طلاب أكاديمية الفنون الفرنسية المطابع، وحوّلوها إلى أماكن لطبع الصور والشعارات والملصقات السياسية المناوئة للسلطة.ونجد على الغلاف الأول للكتاب صورة طالب بشعر طويل يقذف حصاة كبيرة الحجم، والتي تبدو معلقة في الهواء وكأنها لا تؤذي أحداً، وتعليق تحتها يقول:" جمال في الشارع"، أما الصورة الثانية عن التظاهرات، فالتعليق عنها هو:"المقاومة عمل تحرري".والملصقات التي رافقت انتفاضة شهر أيار 1968 قام طلبة كلية الفنون في باريس بتصميمها وطبعها وتوزيعها في الشوارع، طلبة تأثروا بالماركسية- وينتقدون مظاهر البرجوازية التي اتسمت بها الفنون البرجوازية. إنهم في العالم الحقيقي، غير المزيف، لديهم أعمال يجب القيام بها. وفي المحترفات الفنية التي اعتصموا فيها، بدأوا يعملون على مدار الساعة، ضمن وجبات متلاحقة. وهم بتلك الطريقة أنتجوا عدة آلاف من الملصقات في تلك الفترة المحددة من الزمن، كي توزع بشكل متلاحق في شوارع المدن الفرنسية وفي مدينة باريس بشكل خاص.لم يكن ما فعلوه فنّاً بل أدوات، لا بل أسلحة، وقد علقت دار النشر على تلك الملصقات في عام 1969 قائلة:"في استخدامها لأغراض الزينة، وفي عرضها في الأماكن البرجوازية الثقافية باعتبارها موضوعات فنية جمالية، ستفسد فاعليتها ومدى تأثيرها".والملصقات التي انتشرت إبان انتفاضة 1968 – باريس، كانت متعددة الأساليب، صممها فنانون (غير برجوازيين تماماً)، وهي يمكن اعتبارها عملاً جماعياً. إن العنصر الذي جمع بينها هو اختيارها الموضوعات الاقتصادية ،أشكال جريئة، بلون واحد، على ورق الصحف التي كانت قد أعلنت الإضراب عن الصدور، وكلمات أو عبارات محرّضة.وتواصلت الانتفاضة في باريس، واستمرت المطابع في الدوران، تمجد دور العمال في المجتمع وجهدهم الشريف، وكانت صورة"القبضة المضمومة"، تشير وترمز إلى تضامن الطلبة والمقاومة.إن النجاح الحقيقي لانتفاضة باريس، كان يكمن في التحالف غير الممكن لعدد من التجمعات. ففي العديد من تلك الملصقات رسومات تشير إلى قوة تحالف وتضامن العمال والطلبة- أذرع متشابكة بقوة وتصميم ،وكانت الرسومات في الغالب ظلّية، ليس لكونها تخطيطية غالباً، بل إشارة إلى تكثيف المجموع في شكل واحد وموّحد الجسد. وربما إن أقوى تلك الملصقات، تلك التي تتضمن ستة رؤوس مظلّلة وتحتها عبارة:"نحن القوة".إن مجموعة الرسومات او التصميمات المعبرة عن قوى الاضطهاد والمحافظين والرأسماليين، مباشرة بشكل متساو ٍ. وفيها ملامح مشتركة منها: العصا أو الهراوة، والفئران وأيضاً بطبيعة الحال، الشكل الجانبي للرئيس ديغول، ولكن من كان الطلبة يعارضون؟ فالأمر الذي بدأ كشكل من التذمّر حول الطراز القديم لنظام جامعة نانتيري تحول إلى صرخة حرية ومعركة ضد قيم النظام السائد وثقافة المستهلك.ويبدو إن التوقد الماركسي فقد بريقه اليوم، ولكن الغضب إزاء القوى الرأسمالية ما يزال مستمراً، والسؤال الذي يدور حالياً هو: أين التصاميم السياسية اليوم؟ومع توفر الهواتف النقالة ومواقع فيس بوك وتويتر، فإن الملصقات بإمكانها الانتشار بسرعة. وربما ان الشعارات غدت اليوم تنتقل عبر الرسائل القصيرة بدلاً من الملصقات.وفي هذا الوقت، قد تظهر ملصقات ترافق الحملات الانتخابية الرئاسية، مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها لا تعبّر عن مفهوم سياسي عام وشامل، أو إنها ملصقات تجارية للدعاية عن أنواع معينة من المنتجات، كذلك الأمر في انكلترا حيث تنتعش الملصقات في الشوارع لترافق الحملات الدعائية في الانتخابات البرلمانية.عن/ النيويورك تايمز ابتسام عبد الله
جمال فـي الشارع.. "الملصقات وانتفاضة الطلبة 1968"
نشر في: 5 يونيو, 2011: 07:42 م