اسم الكتاب: ماذا يقول كتاب القذافي الأخضر؟المؤلف: محمد بازيترجمة:المدىإن نجاح التحالف الشعبي الليبي في زعزعة العقيد معمر القذافي عن السلطة يعني ليس فقط سقوط الدكتاتور الأطول حكما في العالم العربي ، بل أيضاً نهاية النظام الإيديولوجي الذي كان يحلم من خلاله بقمع كل منافسيه . و بينما يراه معظم العالم بأنه الحاكم الشاذ الوحشي ، فقد حاول القذافي على مدى قرون أن يرسم لنفسه صورة رجل الدولة الفيلسوف ، و هو طموح تجسد في الكتاب الأخضر: كتابه الشهير ذو الفصول الثلاثة الذي يضم تأملاته في السياسة و الاقتصاد و كل شيء، من شرور مكننة مزارع الدواجن إلى أهمية امتلاك كل فرد سيارة خاصة به . في ليبيا، يتواجد الكتاب في كل مكان ، و تترعرع أجيال من الطلبة و هم يدرسونه، كما إن الحكومة تنحت تماثيل على شكل الكتاب.
الكثير من تحليلات الكتاب الأخضر تؤكد استطرادات القذافي و ولعه بشرح ما هو واضح و لا يحتاج الى شرح ، مثل إعلانه بان " المرأة أنثى و الرجل ذكر ". و لأن الكتاب عبارة عن خبط عشواء فان الناس تنصرف عنه لكونه خليطا من الأمثال المشوشة و استطرادا لدكتاتور مجنون. وفي الحقيقة إن هذه الأطروحة المكونة من 21000 كلمة لا تقدم فكرة متماسكة. انه مزيج من الاشتراكية المثلى و القومية العربية، وإيديولوجية ثورية للعالم الثالث كانت رائجة في زمن كتابتها ، مع جذور من الفوقية البدوية ، و أن لهجته و أسلوبه يرددان صدى تقليد من الأدب العربي القديم : تقليد الحاكم أو طرحه لقضايا الفلسفة و السياسة و الفن و الثقافة أو ما يخطر على باله. في عام 1975 ، أي بعد ست سنوات من تسلمه السلطة ، نشر القذافي المجلد الأول من الكتاب الأخضر الذي اسماه ، بلا حياء ، "حل مشكلة الديمقراطية " الذي وعد من خلاله بإنقاذ العالم من فشل الديمقراطية الغربية و من الشيوعية على حد سواء. يسخط القذافي من الانتخابات و الأحزاب السياسية و التمثيل الشعبي . انه يستهجن الاستفتاءات الشعبية و الاحتكام للشعب و يسميها "احتيال على الديمقراطية" . و يزعم إن أفضل أشكال الديمقراطية هو تجمّع الجماهير في لجان شعبية و مجالس و جمعيات مهنية . المجلد الثاني يعرض " حل المشكلة الاقتصادية "، و هو خليط من مثاليات شبه اشتراكية و مفاهيم رأسمالية.يظهر القذافي في بعض أجزاء الكتاب متعصبا طبقيا عصاميا، و في أجزاء أخرى يمجّد الامتلاك. يقول "لا حرية لرجل يعيش في دار رجل آخر سواء أكان يدفع إيجارا ام لا" و" يجب أن تمتلك سيارتك". بعض الدارسين وجدوا إن الإيديولوجية السياسية و الاقتصادية للكتاب الأخضر تناقض روسو و ماو و ماركس ; بينما اقتفى آخرون خيوطه رجوعا للفلسفة الإسلامية. الكتاب لا يعتمد على مراجع و مصادر خارجية – ليس فيه ذكر للنصوص الدينية او لمفكرين سياسيين او اقتصاديين الذين ربما كانوا قد اثّروا في القذافي. في كل الاحوال، القذافي لم يكن مثقفا بشكل جيد و لا قارئا عندما قام بتأليف الكتاب الأخضر. و بلا شك ، كان متأثرا جدا بجمال عبد الناصر، الزعيم المصري الذي قاد عام 1952 الثورة التي أسقطت الملك فاروق المدعوم من البريطانيين. عندما كان مراهقاً، كان القذافي يستمع إلى إذاعة صوت العرب و يتذكر خطابات ناصر . لقد صنع عبد الناصر قضية لمقاومة الامبريالية من خلال تأسيس كيانات محبة للعرب و الأفارقة و الإسلام و زعم ان من واجب الزعيم توحيد و قيادة هذه الكيانات.يصف ناصر العالم العربي بأنه " تائه يبحث عن بطل" و كان القذافي يرى نفسه ذلك البطل. كذلك يعبّر القذافي في كتابه الأخضر عن تعظيم البدو و المجتمع القبلي التقليدي . ربما يقلد القذافي هنا المؤرخ و الفيلسوف ابن زيدون الذي يعتبر كتابه " المقدمة " بذرة علم الاجتماع الحديث . يقسّم ابن خلدون المجتمع الى مجتمع رحّال و مجتمع مستقر ، و يزعم انه كلما صار البشر أكثر تحضرا كلما أصبح منحلاً و ضعيفاً. القذافي يمجّد الوحدة البدوية و يقارن شرور الحياة العصرية بالماضي " الطبيعي " المثالي . فمثلا مهاجمة مكننة مزارع الدواجن (لحوم الطيور البرية أطيب طعما و أكثر فائدة لأنها تنمو طبيعيا و تتغذى على الطبيعة) تقابل التنديد بشرور إرسال الأطفال إلى الحضانة و أهمية " الأمومة الطبيعية " . و في مكان آخر يطلق القذافي على التعليم الإلزامي بأنه " تبليد إجباري لأذهان الجماهير " و يحث على " ثورة ثقافية عالمية لعتق فكر الإنسان من التعصّب ". بعد نشر مجلده الأول مباشرة، أعلن القذافي بأنه سيضع مبادئ الكتاب الأخضر موضع التطبيق ، فاستقال من كافة مناصبه الرسمية عام 1977 و ادعى بأنه " نموذج لعصر الجماهير". و ادعى بان الليبيين سيبدأون بحكم أنفسهم ، مستبدلا إدارات الحكومة بلجان شعبية – شبكة من مجالس المدن في ليبيا . بالطبع بقي القذافي و زبانيته يحكمون قبضتهم ; كانت المجالس الشعبية تعقد جلسات قليلة كل عام – حسب مزاج القذافي – و بالطبع كانت الجلسات تؤكد رغبات القائد.في الثمانينات، حاول القذافي و مستشاروه فرض بعض الأفكار الاقتصادية المطروحة في الكتاب الأخضر، و هم يموّهون أنفسهم بوضع طلاء من السلطة المحلية على النظام الاشتراكي المركزي. لقد أسسوا نظام أسواق تديره الحكومة و أصدروا أمراً يسمح لكل عائلة بان تمتلك دارا واحدة فقط. هذه " الإصلاحات " أنتجت نظاما مليئا بالفساد و سوء الإدارة ، دم
تناقضات الكتاب الأخضر
نشر في: 6 يونيو, 2011: 06:04 م