ميعاد الطائي ينتظر الشعب العربي في مصر وتونس ان يعيش قريبا ربيع الديمقراطية بعد ان تخلص من الأنظمة الشمولية التي حكمته أكثر من ثلاثة عقود من الزمن عانى خلالها المواطن العربي من شعارات زائفة وعهود بالديمقراطية القادمة ومعها الرخاء الاقتصادي إلا ان شيئا من ذلك لم يتحقق لأن الأمر لم يعد كونه مجرد تخدير مؤقت لمشاكل وهموم الناس
التي تمثلت بالتخلف الاقتصادي وغياب خطط التنمية الأمر الذي أدى إلى تفشي البطالة والتشرد والهجرة خارج الوطن بينما كان النظام مشغولا ببناء مجد شخصي وهو يضع له تمثالا في كل ساحة من ساحات المدن العربية وشوارعها .. ولا يخفى على احد ان غياب الديمقراطية كان سببا في استئثار الحاكم بالسلطة وزيادة أساليب القمع وتنوع الأجهزة الأمنية ومسمياتها المتعددة إضافة الى تفشي الفساد بكل أنواعه والذي طال جميع السلطات ومنها السلطة القضائية .أشياء كثيرة حدثت نتيجة لغياب الديمقراطية عن المشهد العربي جعلت المواطن عاجزا عن رفع صوته ليطالب بحقوقه المتعلقة بثروات البلاد لتبقى هذه القضية بعيدة عن الشفافية حتى جاءت الثورات لتكشف للعالم بان الشعوب التي تعيش في فقر وبطالة وأزمات اقتصادية كبيرة اكتشفت أخيرا بان حكامها يملكون عشرات المليارات من الدولارات وعقارات وأملاكا داخل وخارج البلاد وإنهم قد سخّروا ثروات بلدانهم خدمة لهم ولعائلاتهم .إذن يمكننا القول هنا بان غياب الديمقراطية كان سببا في ما وصلت إليه الشعوب العربية من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واليوم يترقب الجميع مستقبل الأداء للقوى السياسية في مصر وتونس في سعيها لترسيخ دعائم الديمقراطية , حيث يخطئ البعض عندما يتصور بان الديمقراطية تعني فقط إجراء الانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في تحديد من يصل إلى السلطة . لان هناك حقيقة يجب ان يدركها هؤلاء وهي ان الانتخابات هي إحدى أدوات الديمقراطية إذا ما استخدمت بطريقة صحيحة ومن قبل ناخبين يمتلكون ثقافة تؤهلهم لاختيار الأفضل دون الخضوع للضغوطات التي تفرضها عليهم الانتماءات العرقية والعشائرية والدينية والفئوية الضيقة التي تسيطر على المجتمع العربي في الوقت الحاضر , الأمر الذي يجعلنا بحاجة كبيرة لمعالجة حالة التعصب وبناء مجتمع مدني تتحدد فيه قيمة الفرد من خلال ما يقدمه للمجتمع الذي يعيش فيه وما يمتلكه من قدرات وإمكانات وليس من خلال انتماءاته للعرق او الدين او العشيرة .ومن الأهمية بمكان ان ندرك بأننا إذا ما أردنا ان نكرس الديمقراطية في تجاربنا الجديدة فعلينا التخلص من تلك الانتماءات التي تمثل قاعدة قوية للتعصب المجتمعي والذي يعد العدو الأول للمجتمع المدني المتسامح الذي يقوم بدور بارز في تنمية ثقافة التصالح والتعايش ويدعم قيم التحول الديمقراطي من خلال الترويج لثقافة المشاركة ،إضافة إلى دوره المتميز في تربية المواطن على الممارسات الديمقراطية واحترام المفاهيم الإنسانية الجديدة .وبمجرد سقوط الأنظمة الدكتاتورية في تونس ومصر برزت ظواهر التعصب للدين والطائفة وخاصة في مصر التي شهدت صراعات طائفية ،ومن جانب آخر بدأت صراعات الأحزاب والقوى السياسية فيما بينها للتنافس على الوصول إلى السلطة في ظل استخدام الأحزاب الدينية سلاح المسجد والشيخ وتكريس الانتماءات الضيقة البعيدة عن مفاهيم الديمقراطية التي يريد المواطن العربي ان يستنشق هواءها من خلال التحول الذي ضحى من اجله الشباب في ساحة التحرير والذي يشعر الكثيرون بأن ثمة قوى سياسية ستحصد ما زرع شباب ساحة التحرير وإننا ربما سنشهد ولادة أنظمة استبدادية جديدة تأتي عبر صناديق الاقتراع إذا ما عملنا وبسرعة على تثقيف الناخب العربي وتوعية الجماهير بالمفاهيم الديمقراطية والتي غابت عنها لفترة طويلة ( كمفاهيم حقوق الإنسان واحترام الأفراد , والاحتكام للقانون كشرط لبناء الدولة , ومفاهيم المجتمع المدني ) وترسيخ هذه المفاهيم في المجتمع بعيدا عن الانتماءات الضيقة التي جلبت لنا الويلات لعشرات السنين .
غياب الديمقراطية والربيع العربي
نشر في: 6 يونيو, 2011: 06:22 م