فريدة النقاشأضرب عن الطعام عدد من الصحفيين والصحفيات في جريدة المال في مقر نقابة الصحفيين وما يزالون مضربين منذ أسبوعين بسبب امتناع النقابة عن تقييدهم لأسباب بيروقراطية معقدة وعلي رأسها دور المجلس الأعلى للصحافة في الترخيص لإصدار الصحف.وتشهد المؤسسات الصحفية الأخرى حكومية وحزبية وخاصة مشكلات بلا حصر في كل من علاقات العمل والأجور، ويواجه الصحفيون المتدربون مستقبلا غامضا لأن الأوضاع المالية لبعض المؤسسات لا تسمح بتعيينهم.
وفي ظل هذا الوضع البائس الذي تعجز فيه نقابة الصحفيين عن أن تكون طرفا فاعلا في المشكلات المطروحة تحاول جماعة من الصحفيين إنشاء نقابة جديدة في ظل موجة التعدد النقابي العمالي الشائعة هذه الأيام، ويحاط إنشاء نقابة جديدة للصحفيين بتعقيدات قانونية وعلى رأسها أن النقابة هي التي تعطي للصحفي ترخيص المهنة.وحين ينظر المجتمع إلى الصحافة والصحفيين من الخارج يروج شعور بأن حرية الصحافة وأوضاع الصحفيين هي أقرب إلى المثالية، فالصحف الجديدة تصدر كل يوم، وأنقل عن الزميل عبدالمحسن سلامة عضو مجلس النقابة ووكيلها القول إن هناك بالفعل خمسة آلاف صحيفة صدرت بتراخيص من الخارج، وهو على ما يبدو ظاهريا رواجا، لكنه ذلك الرواج الذي يخفي وراءه مآسي ومشكلات بلا حصر لأن الصحفيين الذين يعملون في هذه الصحف ليسوا مقيدين في النقابة ولا يحق لهم ذلك، وهم في الغالب يعملون إما بعقود أو بالقطعة شأنهم شأن عمال التراحيل، وكثيرا ما يغلق صاحب العمل الصحيفة ويجري تشريد العشرات دون أي حقوق أو جهة للحماية.ومن جهة أخرى كانت حرية الصحافة في عهد «مبارك» ومازالت حتى الآن حرية عرفية، فهناك حزمة من القوانين تقيد حرية الصحافة وتعاقب الصحفيين بالحبس والغرامات لعل أشهرها الحبس في قضايا النشر الذي كان الرئيس «مبارك» قد وعد نقيب الصحفيين بإلغائه منذ عام 2004 ولكنه لم يلغ حتي الآن وهو ليس إلا قانونا مقيدا واحدا من عشرات.وخاضت نقابة الصحفيين معركة طويلة مع النظام عام 1995 ضد القانون 93 الذي وصفه الصحفيون بقانون حماية الفساد وهدد الصحفيون بالإضراب عن العمل وتوقيف الصحف فأجرت الحكومة عليه بعض التعديلات وصدر قانونان 95 و96 لسنة 96.ولكن نقابة الصحفيين شكلت لجنة من قانونيين مرموقين ومفكرين وكتاب وصحفيين لإعداد مشروع قانون موحد للصحافة يتلافي النقائص ويسد الثغرات في ما يزيد على 10 قوانين تتعلق بالصحافة، والنتيجة أن سيف الحبس في قضايا النشر مازال مسلطا على رقاب الصحفيين ومازال المنهج العقابي هو السائد في القوانين الأخرى التي تقيد حرية الصحافة ومازال المجلس الأعلى للصحافة يمارس الحق في الترخيص للصحف بينما يطالب الصحفيون بأن يكون الإصدار بالإخطار، فعلي العكس مما يتصور البعض أن الصحف في مصر كثيرة جدا ولا يعلم هذا البعض أن هناك بطالة واسعة في أوساط الصحفيين.وحين قرر النظام قبل سنوات إصدار قانون لتداول وحرية المعلومات قدم مشروعا مقيدا للحرية وأطلق عليه اسم تنظيم تداول وحرية المعلومات، والنتيجة أن الصحفيين يتعذبون ليحصلوا على المعلومات من مصادرها حيث تعاقب بعض الوزارات موظفيها إذا أدلوا بمعلومات للصحفيين وخاصة المندوبين الذين قال بعضهم إنه «يجري معاملتنا في الوزارات مثل الجواسيس»، وهكذا تروج أخبار يتم تكذيبها، ويعتمد بعض الصحفيين على الشائعات والنميمة واختلاق الحكايات. وحتى تلعب النقابة دورا فاعلا في كل هذه القضايا تحتاج إلى إصلاح مؤسسي شامل بدءا بالتعاون بين أعضاء المجلس المنتخب بعد أن انفجرت الصراعات في أوساطهم حتى أنهم دفعوا نقيبهم إلى الاستقالة، وتحتاج أيضا إلى جمعية عمومية نشيطة تتابع أحوال المهنة ولا تبقى محصورة في الانتخابات كل سنتين. ورغم الجهد الرائع الذي تبذله الزميلة العزيزة «عبير سعدي» عضو المجلس في تنظيم دورات تدريب للصحفيين والصحفيات فمازال الصحفيون بحاجة إلى برامج أشمل وأوسع تنظمها النقابة بالتعاون مع المجلس الأعلى للصحافة خاصة في فنون الصحافة الإلكترونية التي تتقدم بسرعة الضوء.وربما يكون مفيدا أن تدعو النقابة إلى تنظيم مؤتمر يناقش كل هذه القضايا وذلك بعد التدخل العاجل والجدي لحل مشكلة صحفيي المال.
حريــة الصحفيــين
نشر في: 7 يونيو, 2011: 05:33 م