اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فـي رحيل الشاعر محمد درويش علي

فـي رحيل الشاعر محمد درويش علي

نشر في: 7 يونيو, 2011: 06:03 م

إني أعتذرعامر القيسيأخيراً رحل الشاعر محمد درويش وحيدا . ولأني تشاركت معه تفاصيل الهموم اليومية، كان ينبغي ان أكون إلى جانبه حتى لحظاته الأخيرة وهو يودع الحياة ، حياته الشخصية المفعمة بالود ومحبة الآخرين. اعذرني صديقي العزيز ، وان كنت لا تستطيع الآن ان تقرأ أو تقبل الاعتذار ، لكن روحك الداخلية تنبئني بأنك ستغفر لي حتى عدم زيارتي لك في محنتك . لن أبحث عن تبرير لذلك ، لأنك رحلت حزينا ومكتئبا وأنت تسأل عن الأصدقاء وتنتظر أن تراهم أنت لتسأل عن أحوالهم وأنت على فراش الموت ... اعذرني قبل أن تجف الدموع .. هل تفعل؟!
مسرات وأحزان "الخال" محمد درويشعلي حسينعن 55 عاما رحل الصديق محمد درويش، سيد شباب أهل الطيبة  والروح المرحة التي لا تحدها حدود ،  والضمير الذي لم يعرف إغفاءة واحدة أمام كلمة صدقمحمد درويش وجه تعتاد ه وتألفه  فيصبح جزءا من حياتك اليومية ، وفي زمن الخيبات الحياتية والسياسية تصبح هذه الوجوه امتداداً للبيت أو الشارع وحتى مكان العمل، ومع مرور الزمن تصبح هي داخلك،  حنينك، وهي جزء من أحلام الحياة.تعلق محمد درويش  ببغداد وسكر بسحرها وخمرها، وصارت أمه التي تمنحه الشعر والعطايا، تلفظه حاناتها في أواخر  الليل وجيوبه خاوية إلا من قصاصات ورق يكتب فيها خواطره وقصصه العجيبة والمزيد من الألم والمآسي التي يمر بها كل يوم  ، ، كل من عرفه يقول انه شق طريقه وسار فيه وان لا أحد يستطيع ان يثنيه عن السير فيه،لا  النصيحة ولا إغراء المال ولا الوظيفة ولا الشهرة ولا المجد، كل هذا لا يعني شيئا ذا قيمة بالنسبة إليه وهو الذي يريد أن يحيا منسجما مع نفسه،، يرتفع ويسقط، يترنح تارة، وتارة يسير.لم يسع يوما إلى مكان على طاولة مسؤول ، ولم يحلم بكرسي في موقع بارز في شارع  الصحافة، ولم يقف في طابور انتظار عطايا الحكومة .فعاشق بغداد اعتاد أن يخرج في أواخر الليل من بيته المفضل اتحاد الأدباء يترنح يمينا فيسنده جدار ويترنح شمالا فلا يسنده شيء.. يتعثر فيكبو فينهض ثم يتعثر وهو يردد أبيات اليوناني كفافي:لن تجد وطنا جديدا، لن تجد شاطئا آخرهذه المدينة سوف تلاحقك أبدا. سوف تمشي الشوارع نفسها، وتشيخ في الحارات نفسها،وتشيب في هذه البيوت نفسها،.سوف تنتهي دائما إلى هذه المدينة.لا تأمل بأشياء في أي مكان آخرلا سفينة لك ولا طريقمر محمد درويش برحلته الحياتية المعذبة  بوجوه عدة أحبها ووجوه عدة كانت تشاكسه لكنه يبتسم لها بطيبته المعهودة ، كنت اسأله لماذا تصمت عن تجاوزات الآخرين ، فيقول لازمته الشهيرة " خالي هؤلاء غارقون في الأنانية ، ممتلئون بالكراهية لكل شيء جميل ثم يضحك ضحكته المعهودة ليختتم حديثة بلازمته ايضا " وخالك جميل ولهذا يثير غيرتهم "يكتب الشاعر  الفرنسي  بيير ريفيردي شهادته على عصر اضطهده ولم يمنحه فرصة للحياة :"ولد فيتوفي...ليس هناك من أحداثليس هناك من تواريخلاشيء "" "لا شيء" الكلمة التي لم تفارق محمد درويش طوال حياته ،  مثل الأسى والعوز اللذين كانا في مواجهته دوما  ، لم يحاول الإفلات من " اللا شيء "  ، كان يتسلل اليه من شوارع المدينة بقناع الموت  الذي ظل يراوده في صحوه ومنامه ، ليفسد مناخ الحياة، وتحوله حياته القصيرة  إلى قصيدة مسربلة بالفجيعة ولكنها مليئة الحنين والذكرياتليل ونباح/ ليل واطلاق نار في فضاء حزينوذبالة ضوء/ من يمسك بالحلم السائر الى الوحشة؟/ امرأة في البعيد تفتح مغاليقها بصمت/ في الليل تغفو تحلم بالمستحيل/ ليل ومرآة غافية على الجدار/ يطل منها شبح/ مثل رجل عار/ الباب مغلق/ والقادم غريبليل ونباح ووحشة ، هكذا مرت ايام محمد درويش بطيئة رتيبة  يجترها على ايقاع الموت الذي كان يتربصه في الزوايا وفي الغرف الباردة ، الموت وصفه قيس بن الملوح :أموت إذا شطّـت و أحيـا إذا دنتوتبعث أحزاني الصبا ونسيمهااليوم سأدخل الى اتحاد الأدباء فألمح  " الخال " محمد درويش جالسا في مكانه الاثير ،  كتفاه متدليتان ، لحظات ينهض ، ينظر في الوجوه ، قدماه تدقان على ارض الاتحاد ، إيقاعاً متناسقاً مع همسات صوته.  انظر اليه وانا اشعر بالحنين الذي احمله لهذا الصديق  الذي امتلات حياته  بالمسرات والأفراح الحزينة وببراءة الحياة التي كان يحياها  وبمدى تلقائية الكلمات التي كانت تخرج منه وتذكرت كلمات البير كامو " ايها الموت متى تنتهي مفاجآتك".rnالذي صارع وحدته.. وعاش !باسم عبد الحميد حمّودييقينا أن الشاعر النبيل محمد درويش الذي كان يصارع وحدته الخاصة وأمراضه لم يرحل هكذا ببساطة .عاش محمد حياته المتعبة مسؤولا عن فقره وعن مصائر أفراد عائلة كبيرة كان يكد الليل والنهار لتغطية طموحات شبابها، حتى من رحل منهم إلى الخارج وكان مسؤولا  عن تلبية رغبات أب مريض وأم متعبة .محمد درويش –رحمه الله- كان لا يرد أحداً  ولا يستطيع أن يقول (اعتذر) لكاتب يحتاج إلى مساعدته أو لفرد من الأسرة أو لصديق كان يعتقد ان انتشال (واحد ) من محنة أمر يجعله يشعر بأن الحياة تستحق ان تكون جميلة , وكان إحساسه الدافق بضرورة الجمال ووجوده يعد جزءا من محنته في عدم إدراك الموت الذي يحيط به والخراب الذي حل بالنف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram