حازم مبيضين من حقنا الشعور بالقلق على وضع ليبيا في اليوم التالي لإطاحة القذافي, والمؤكد أن من واجب الثوار وقياداتهم, العمل بجدية على وضع خطط تفصيلية لكيفية إدارة البلاد, بعد العقيد الذي يعيش آخر أيامه كزعيم مطلق الصلاحية, خصوصاً مع تشديد الناتو لضرباته الجوية لكتائب العقيد وأولاده, وتزايد عزلة نظامه السياسية, وانتصارات الثوار المتوالية,
بما يؤكد أن رحيله عن الحكم بات حتمياً, حتى وإن طالت معاناة الليبيين, وتزايد عدد الشهداء الذين يقضون برصاص المرتزقة, الذين تخصص ابنه سيف الاسلام باستيرادهم من الدول الافريقية الفقيرة, مستعيناً بتجار حروب إسرائيليين.يخشى المراقبون أن يتسبب انسحاب القذافي بأعمال عنف وانعدام للاستقرار, ويستندون في مخاوفهم إلى أن المجلس الوطني الانتقالي المتمركز في بنغازي, يمتلك خطة لكيفية التصرف بعده لكنها لاتزال في طور التكوين, وبما يحتم عليهم البحث في التفاصيل, ومعرفة ماذا سيحدث في اليوم الذي يرحل فيه القذافي, والاجابة مسبقاً على سؤال من سيدير ماذا؟ وكيف سيتم تشكيل حكومة جديدة في طرابلس.بين يدي الثوار الليبيين ثلاث تجارب يمكنهم الاستفادة منها وتلافي سلبياتها, الأولى تجربة العراقيين بعد إطاحة صدام حسين, فقد حوكم الرئيس المخلوع ومعه أركان حكمه, وكانت المحاكمات طويلة ومعروفة النتائج, وبعدها تعثرت العملية الديمقراطية لاستنادها الصريح إلى مبدأ المحاصصة الطائفية, التي سمحت وشجعت على تولي أشخاص غير مؤهلين لمواقع محسوبة على طوائفهم, وألقت بظلالها السود على نتائج الانتخابات, فوجدنا أنفسنا أمام برلمان عاجز عن التشريع والمراقبة, وأمام حكومات محلية تؤكد يومياً أن أفكار ونهج صدام والبعثيين ما يزال سائداً,وانتشر في بلاد الرافدين فساد مالي وإداري ليس له مثيل, فيما تردت منظومة الخدمات إلى مستويات مخجلة, وفي حين كان متوقعاً أن يخطو العراق بثرواته الهائلة خطوات متسارعة في دروب التقدم, فإنه تراجع بسرعة الضوء إلى بدايات القرن الماضي, ولم يستفد بعد من مخزونه الحضاري وثروته الباذخة.في تونس هرب زين العابدين وزوجته والكثير من أفراد عائلته, إلا أن البلاد عادت لتحكم من بقايا البورقيبيين, وظل المنتسبون لحزب بن علي الذي كان يحكم البلاد والعباد يعيثون فساداً, ويسعون بكل قوتهم المسنودة من الشرطة السرية لتخريب نتائج الثورة, وهم ما زالوا حتى اليوم يمتلكون أدوات تمكنهم العبث بمقدرات البلاد وحياة الناس, وحتى اليوم لم يتمكن التونسيون من انتخاب جمعية وطنية تحل مكان برلمان بن علي, صحيح أن هناك حريات ديمقراطية على غرار ما هو سائد في العراق, وأن الاعلام تحرر من سطوة الأمن, لكن النمط السائد هو العودة إلى ما قبل بن علي, وليس التقدم باتجاه روح العصر.في مصر الصورة مختلفة, فقد ورث العسكر مبارك, والواضح حتى اللحظة أنهم لاينوون التمسك بهذا الإرث الثقيل, إما لأنهم شرفاء ويعرفون عدم أحقيتهم في جني ثمار ثورة الشباب, أو لأنهم يدركون استحالة ذلك, بسبب الظروف الداخلية والخارجية, وبالنظر إلى اختلاف التجربة المصرية عن غيرها, حيث تم التغيير بصورة أقرب إلى السلمية, وإن لم تكن سلسة, فإن النتائج تبدو مختلفة أيضاً, فمبارك وعائلته يخضعون للمحاكمة, وسيعيدون ثرواتهم غير الشرعية إلى أصحابها, لكن الواضح حتى اليوم أن هناك تباطؤاً في تقديم مبارك للمحاكمة, إما بسبب حالته الصحية كما يقال, أو بغرض أن تتكفل تلك الحالة وتقدمه في العمر, بتخليص العسكر والنظام الجديد من أكلاف وقوفه في قفص الاتهام الذي سيضم ولديه ومعظم أركان حكمه. قد يكون مبرراً للثوار الليبيين في يومهم الأول بدون القذافي الاستعانة ببعض من عملوا معه من التقنيين, وهم بالتأكيد ليسوا من المؤمنين بجماهيريته ولا بهلوساته وليسوا معجبين بخيمته ولا يفضلون حليب النياق, وهم يشبهون تماماً بعثيي العراق الذين استغنى عن خدماتهم, رغم أن انتسابهم للحزب كان إجبارياً ليتمكنوا من الدراسة والعمل, وكان الاستغناء المتسرع عنهم سبباً في تردي العمل الاداري, في دولة كانت بحاجة لخدماتهم وكانوا مستعدين لتقديمها.
ليبيا بعد القذافي
نشر في: 7 يونيو, 2011: 08:47 م