اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فـي رحيل محمد درويش.. الحياة قرب الموت

فـي رحيل محمد درويش.. الحياة قرب الموت

نشر في: 11 يونيو, 2011: 05:41 م

عبد الزهرة زكي في نهار تموزي قائظ زارني حكمت الحاج في القسم الثقافي بجريدة الجمهورية..عبر عن انزعاجه من الحر ومن زحمة النقل ومن مصعد الجريدة الذي لا يمكن الوثوق به. كان ذلك منتصف التسعينيات..كان الحصار قد بلغ أوجه قبل الشروع بالعمل ببرنامج الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء والدواء،
 اختصرت الأزمة إذاً بغذاء ودواء، مع هذا لم يتح للعراقيين غذاء جيد ولم يتوفر لهم الدواء المناسب، كان واضحا الفساد ومشاركة الموظفين الدوليين والشركات والدول فيه مع السلطة التي كانت تريد أن توفر لها ملايين الدولارات وملياراتها  عن طريق اللف والدوران على البرنامج..لكن البرنامج كان شيئا من حل في وقت بدا فيه أن لا حل يرتجى."لنمض إلى المقهى.." قال حكمت، وأضاف:" أريد أن أحدثك بموضوع صديق شاعر"..غادرنا، وأخذنا ركنا في مقهى الجماهير..وقبل أن يتحدث حكمت، كنت احسب أن الأمر يتعلق بنشر أو شيء من هذا القبيل..فقد كانت ثقة معظم الشعراء والأدباء تنصرف إلى صفحات الجمهورية الثقافية مع شحة الدوريات والمطبوعات وتوقف المجلات عن الصدور والانقطاع عن إمكانية النشر في الدول العربية الأخرى، وكان هذا الحال يتسبب بإحراجات كثيرة مع أصدقاء كثر، يتأخر نشر نتاجهم بسبب تراكم المواد من جهة وإطاحة صفحات التعبئة الطارئة ببرنامج النشر من جهة أخرى، وما أكثر الطوارئ في تلك الأيام.مع شاي محمد نادل المقهى الطيب والفراغ النسبي الذي يكون عليه عادة مقهى الجماهير في ساعات الصباح قبل أن ينتهي دوام العاملين في الصحافة وطلبة وأساتذة كلية الفنون القريبة من المكان، تحدث حكمت الحاج عن شاعر، قال إنه  تعرف عليه في مقهى صغير كان يديره ذلك الشاعر قرب سوق الشورجة."هذا شاعر جيد وإنسان نبيل..أذهبُ إلى المقهى من أجل اللقاء به والحديثِ عن الشعر وطهمازي واحمد خلف وسواهما من أدباء العراق أصدقاء الشاعر الذي يدير مقهى بدت تكسد بفعل عوز الناس وعزوف الزبائن وعدم رغبة الشاعر باستخدام المقهى لغير الجلوس واحتساء شاي وماء..إن حال الشاعر في المقهى لا يطاق"، قال حكمت الحاج .. سألته: "هل أعرفه؟"، أجاب:" ربما لا..لكنه يعرفك، اسمه محمد درويش"..تبادر إلى ذهني اسم المترجم العراقي اللامع الدكتور محمد درويش (لم يكون وقتها قد نال الدكتوراه بعد)، وقبل أن أسأل، أوضح حكمت الحاج موضوع تشابه الأسماء واختلاف الاهتمامات..وتذكرت الشاعر وما قرأته من نصوص نشرها في صحف ومجلات عراقية.كان بيني وبين حكمت من الصراحة والوضوح ما سمح له بالقول: "محمد درويش شاعر ليس بعثيا..هو مثلنا.."، ولم تكن ثمة حاجة لمزيد من التوضيح لكلمة مثلنا، وهو توضيح كان سيتحول إلى عبء غير مبرر في تلك السنوات..قلت له:" ليأت غدا إلى الجريدة، وسيعمل محررا في القسم الثقافي إن ناسبه ذلك". طلب حكمت شايا ثانيا، وأضاف:" سأكون ممتنا..وسيكون محمد سعيدا".وقبل أن أعود إلى الجريدة، استمر حكمت الحاج يتحدث بحب وتقدير عن محمد درويش وشعره، وكان له من الخيال ما يمكِّنه أن يصور لي مقهى محمد درويش في الشورجة كفردوس شعري في جحيم ارضي..كنت أحب كثيرا الإصغاء إلى حكمت المتحدث العجيب في كل شيء والذي تعمقت صداقتنا بعد عملنا معا في أكثر من مناسبة، وكان أهمها ملتقى الشعر العراقي الثاني(1992) الذي كان أحد أعضاء هيئته التحضيرية التي كلفني الزملاء برئاستها.في تلك السنوات كان الجوع قد دفع بالناس إلى يأس مطلق، يأس بدا معه أن السلطة غير عابئة، بل كانت تتلذذ على مرأى شعب يتضور جوعا، فيما كانت الفواكه، بمواسمها وغير مواسمها، والأجبان والحلوى والمشروبات والعصائر تشحن إلى القصور من خارج البلاد..وقبل الموافقة على برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء بقي كبار مسؤولي النظام وطيلة عام يتحدثون عبر التلفزيون بحماقة عن أن المقصود بالبرنامج هو وصول المفتشين الدوليين إلى زنود بنات الشيوخ لقياس مدى فاعلية البرنامج في تحسن الوضع الغذائي للمواطن العراقي..وكانت الناس تنصرف عن مثل هذه الترهات ببيع نوافذ مساكنها وأسرّة نومها، بعد نفاد ذهب النساء ومجوهراتهن وبيع التحفيات وكماليات البيوت، من أجل الحصول على مال يكفي لشراء أردأ أنواع المواد الغذائية أو توفير علاجات لحالات مرضية كان سينكب بها سيئو الحظوظ في تلك السنوات.كان رئيس النظام يقرِّع العراقيين الذين يكتفون بعمل واحد، ويدعوهم إلى البحث عن عمل ثانٍ، فيما كانت فرص العمل معدومة في بلد أوقفت فيه دورة الحياة الاقتصادية منذ أكثر من عقد، وتوقفت معها حركة العمل، ولينتهي الأمر بأساتذة الجامعات والمهندسين والمدرسين وشرفاء الضباط وسواهم، وبعد دوامهم في دوائر الدولة، إلى العمل كسائقي تاكسيات وباعة بسطات في الشوارع والساحات أو حاملي سكائر أو تحفيات وساعات ثمينة لبيعها في شوارع عمان، وقد شاهدنا جنودا مكلفين واحتياطا يشحذون في المقاهي قرب المرائب العامة ومحطات النقل أجور نقلهم من معسكراتهم إلى مدنهم وقراهم وبالعكس.حين جاءني محمد درويش في اليوم التالي في جريدة الجمهورية تعارفنا وتحدثنا عن المعاناة والجوع والآلام..كان واضحا عليه الحذر مثلما هو عليَّ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram