هاشم العقابي هناك قول عربي، وبعض يصنفه كحديث نبوي، يقول: "رحم الله من اهداني عيوبي". لكن يبدو ان الاقوال تضرب ولا تطبق. لأني، ومن خبرة هذا العمر الطويل، لم اصادف احدا، تقبل تلك "الهدية" برحابة صدر، الا ما ندر.
فعلى صعيد محيط "عشيرة" الادباء لاحظت، وعلى سبيل المثال، انك لو اشرت الى عيب في قصيدة لشاعر ما، ستجده يعاملك وكأنك شتمته أو انتهكت عرضه. وكذلك قد يفعلها باقي ابناء العشيرة من كتاب وباحثين ومترجمين، لا بل و "نقاد" أيضا. وعندها تجد من كان صاحبا وصديقا تحول الى عدو أو "عديق" لدود. واعتقد ان المطرب داخل حسن قد عانى من هذا وظل يسأل الى اليوم دون ان يجد جوابا: "ليش اعله كسرة عود صار اللبن ماي؟".هذا في دنيا الأدب. أما اذا صار لك نصيب وبلشت بنقد السياسيين، خاصة ممن هم في السلطة، فعليك ان تلبس "خوذة" حديدية لتتحمل الرمي بتهم البعثية والعمالة والخيانة والكذب. هذا اذا لم تحتج الى درع واق من الرصاص لتطيل من عمرك قدر المستطاع قبل ان يشطبوه. رحم الله كامل شياع ولعن من اغتاله.يبدو ان جمعا من الكتاب، وانا منهم، طبقنا قول اهداء العيوب، فاهدينا الحكومة بعضا من عيوبها. لكن رغم اننا، والقراء يشهدون، نحرص دائما على تغليف الهدية باحلى الالوان ولفها باجمل الشرائط ونضع بها "أجمل" العيوب لنقدمها للسياسيين بكل محبة، لم نواجه الا بنكران الجميل او باعطائنا "الاذن الطرشة". بصراحة نحن لم نبتغ جزاء ولا شكورا، لاننا تعلمنا من اجدادنا ان لا "نرجه من بارح مطر". لكن ان نشتم رغم جميلنا، فهذا ما ظل يحيرنا.في البلدان المتحضرة أو التي "الله منطيها" كما تقول خالتي ام جبار دائما، تجد السياسيين، خاصة من هم برتبة رئيس فما "فوق"، يتابعون الكتاب الذين لا يجاملونهم ولا يطبلون لهم. يعرفونهم بالاسماء ويتفقدونهم ويردون على ما يكتبونه علنا او بشكل شخصي. السبب لانهم يسمونهم قادة. نعم فهم قادة الرأي العام.ناقد سياسي امريكي وصف كاتب العمود الناجح بانه حين يذهب الى الانتخاب، سيدلي بصوته اكثر من مرة بطريقة قانونية. يقصد أنه سيؤثر باختيار الناخبين الذي يقتنعون برأيه فينتخبون من يراهم الكاتب اهلا للانتخاب. اذكر بان جورج بوش، حين عزم على اجتياح العراق لاسقاط صدام التقى بموجموعة من المثفين والكتاب الأمريكان قبل أيام من اتخاذ قراره النهائي.لا ينكر ان الوضع السياسي بالعراق، في هذه الايام، مضطرب ومشوش تمزقه التناقضات والتخندقات الطائفية والفئوية والحزبية، مما أضعف درجة الرؤيا لكشف ما يدور بشكل صحيح. لكن، ورغم ذلك، يدرك من يجهد نفسه قليلا ان الحكومة قد وضعت جدارا عازلا بينها وبيين قادة الرأي العام من المثقفين والكتاب، خاصة بعد التظاهرات. والخاسر، طبعا، هي الحكومة من رأسها حتى قدميها. فحكومة لا تستمع لشعبها خاسرة لا محال. وحكومة لا يصغي رئيسها لمنتقديه من للكتاب والإعلاميين، ويصر على الاكتفاء بسماع "المقربين"، يكون قد حرم نفسه، اولا، ووطنه، ثانيا، من اثمن فرص الاصلاح والتغيير. اتمنى على رئيس الوزراء ان يتمعن جيدا بقول القائل: "صديقك من صَدَقَك لا من صدّقك".فهل وصلت "الهدية" يا صديقي؟
سلاماً يا عراق :شرد اقدملك هدية؟
نشر في: 18 يونيو, 2011: 07:59 م