TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:مبادرة بارزاني المجْهَضَة،ودعوة الطالباني:جوهر المبادرةوالمتواطئون عليها..

الافتتاحية:مبادرة بارزاني المجْهَضَة،ودعوة الطالباني:جوهر المبادرةوالمتواطئون عليها..

نشر في: 20 يونيو, 2011: 10:36 م

فخري كريم
(1)
يفترض ان ينعقد اليوم في منزل السيد رئيس الجمهورية لقاء " الاستسقاء الاخير" الذي يشارك فيه قادة الكتل البرلمانية في مسعىً لتنفيس الأزمة المتفاقمة

 التي تخيم على البلاد وتهدد بتعريض العملية السياسية الى خطر التراجع والجمود، دون ان تؤدي الى تقويضها، كما ترسم بعض الأطراف. واللقاء كما أُعلن عنه ، هو استمرارٌ لمبادرة السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان التي اطلقها بعد شهورٍ من انتهاء الانتخابات التشريعية،

 وتعذر الوصول الى اتفاق بين الكتل البرلمانية المتنازعة لتشكيل الحكومة .
وقد انتهت المبادرة الى تحقيق الهدف المباشر "الظاهري" لها، بإعلان تشكيل حكومة "الشراكة الوطنية" دون تحقيق جوهر المبادرة، التي كانت تستهدف إنجاز "عقد وطني" يعيد صياغة مفاهيم "الشراكة" و"التوافق" و"المصالحة" و"أسس إدارة الدولة " وكل ما له علاقة ببناء دولة المؤسسات والحريات والمواطنة ، وما يؤدي في المحصلة النهائية الى تجاوز المرحلة الانتقالية وإنجاز مهامها التي رسمها الدستور، على علّاته.
وليس في المبادرة الكثير مما يجري تداوله بين قادة الكتل، بما في ذلك توصيف ما سُمي بالمجلس الوطني للسياسات العليا، والمفهوم المتداول "للمصالحة الوطنية" و"التوازن الوطني" وغير ذلك من التفاصيل التي يجري التراشق بها بين القيادات، وبشكل خاص بين السيدين نوري المالكي زعيم دولة القانون وإياد علاوي زعيم ائتلاف العراقية.
لكن المؤكد ان ما عنته المبادرة ضمنياً، هو التوصل الى قواسم مشتركة تجسد روحها وتعكس جوهرها، وهي تتمثل في اطارٍ وطني حقيقي، تتضافر فيه جميع الكتل والمكونات على قدم المساواة، قدر تعلق الامر بإخراج العملية السياسية من مأزق أزمتها،  ووضع الأسس الكفيلة بتامين الخدمات وإنهاء البطالة وتفليس الارهاب من البيئة السياسية والاجتماعية التي يعتاش عليها، ويستمد منها أسباب الاستمرار.
اما جوهر المبادرة ، كما يمكن فهمها لمن التاع بمكامن الأزمة وملامحها وتداعياتها، فإنها انطلقت من الحرص على تطبيق المبادئ التي يقوم عليها اي نظام ديمقراطي تعددي اتحادي، وتستند اليها مفاهيم التوافق والمشاركة الوطنية والتكافل في تحمل المسؤولية "الجماعية" عن إدارة الدولة والسلطة السياسية المعنية بتنفيذ توجهاتها .
وقد كان النهج الذي ساد إدارة الدولة وقيادة الحكومة ، خلال الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية الاخيرة ، وحتى في الحكومتين السابقتين عليها ، موضع نقد شديد من جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية ، باستثناء حزب الدعوة ، او الأدق مناصري السيد نوري المالكي . وتركزت الانتقادات على فردية المالكي ، ونزوعه نحو الهيمنة على مقاليد السلطة وإعادة ترتيب مختلف مرافق الدولة وأجهزة الحكومة لتأمين سيطرته عليها ، والعمل الفعلي على تهميش القوى الأخرى وإقصائها ، والتنكيل بالمعارضين، حتى وان كانوا من خندق المناصرين للعملية السياسية الديمقراطية . ولم تفتقر الاتهامات التي كانت توجه لحكومته الى الأدلة والأمثلة ، وهي ثوابت أعاد تأكيدها من جديد وبإصرار اشد لم يخلُ من طابع التحدي والاستفزاز .
واجتماع اليوم برعاية السيد رئيس الجمهورية جلال طالباني ، ينبغي ألّا يستهلك نفسه بالدوران حول الخلاف بين علاوي والمالكي ، وحول المجلس الوطني للسياسات العليا، وتسمية الاول رئيساً للمجلس او اميناً عاماً له ، والبحث في القضايا الشكلية الاخرى مهما بدت مهمة ، لانها لا تمس الا مظاهر الأزمة ، ومعالجتها انما هي من باب المسكنات المؤقتة التي سرعان ما سيعاد إنتاجها من جديد ، وربما بصيغة تؤدي فعلياً الى تصديع العملية الديمقراطية ودفع الأزمة الى مستوياتٍ اكثر خطورة .
ان اجتماع اليوم بدعوة من الرئيس مطالب بمعالجة جوهر الأزمة ،   وهي ببساطة تتمثل كما تضمنتها مبادرة بارزاني بروحها وجوهرها  فيما يلي :
-- وضع الأسس والمبادئ التي تنهي الانفراد في إدارة الدولة والسلطة السياسية من قبل رئيس الوزراء "أياً كان" الشخص الذي سيتبوأ هذا المركز. 
-- تكريس مفهوم محدد وواضح لنهج " الشراكة الوطنية " بوصفها إسهاما مباشرا وفعليا في جميع التوجهات والقرارات والسياسات التي تتعلق بمسؤوليات الحكومة والدولة دون استثناء .
-- تأكيد ما نص عليه الدستور من صلاحية الحكومة والسلطة التنفيذية ،باعتبارها صلاحية مجلس الوزراء وليس رئيس الحكومة كما هو المفهوم السائد المبتسر الذي يتجاوز نصوص الدستور ويجمد المفهوم الدستوري الذي يعتبر السلطة التنفيذية تتشكل من مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الأعلى.
-- إعادة النظر في الترتيبات الأمنية المخالفة للدستور ، من تعيينات وتوجهات ، انفرد بصياغتها رئيس الوزراء ومكتبه ، وأدى فعلياً إلى تكريس القرارات الأمنية والعسكرية به شخصياً ، وبمن يجري تخويلهم من المحيطين به. 
-- وقف ما يجري من تكريس سلطة الحزب الواحد ، وان بتؤدة ، وبسرية ومن وراء الكواليس ، ومن خلال التسلل الى مختلف المواقع ، وعلى الخصوص ، الى الأجهزة الأمنية وعلى رأس الفرق العسكرية والأجهزة والمواقع الحساسة الأخرى.
-- وقف اليد المفتوحة للأجهزة الأمنية المرتبطة كلها برئيس الوزراء ، بسبب إفراغ الوزارات الأمنية والعسكرية من الوزراء والمسؤولين ، وتماديها في قمع المواطنين والحركات الاحتجاجية التي تطالب بالإصلاح والخدمات وفي اطار ما ينص عليه الدستور ، واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المتجاوزين .
-- صياغة برنامج للإصلاح السياسي وتخديم المواطنين في إطار مطالباتهم المعيشية والخدمية وطرحها للمناقشة العامة .
-- وضع آلية فاعلة لـ" قضم " الفساد الذي " تصاهر " علناً مع الحكومة ودخل في نسيج الدولة كجزء مكون لها  والشروع بكشف الحالات التي لم تعد سراً وتتعلق بفساد المسؤولين وعوائلهم وأقربائهم .
-- كشف اللثام عن ظاهرة ابناء القادة الكبار والوزراء الذين باتوا مشاركين تحت عناوين ثانوية في إدارة فساد الدولة والقيام بأعمال ابتزاز وفرض رشاوى ، وإحالة مقاولات وغيرها من المفاسد التي أصبحت تتردد على ألسنة المواطنين . وليس بكثير على اجتماع القيادة اليوم اتخاذ قرار بتحريم توظيف الأبناء في مراكز مسؤولة مهما صغرت هذه المهام ، في وزارات آبائهم أو مكاتب القادة الكبار .
 إن اجتماع اليوم هو محاولة للخروج من الدائرة المفرغة التي تستهلك الجهود ولا يفتح أي افقٍ لتفكيك الأزمة ، وهو ما يضع على عاتقه  فتح بابٍ  للأمل الذي كاد أن يصبح  محالاً.
ان السيد رئيس الجمهورية بما عرف عنه من السعي للتوحيد مطالبٌ بدفع الاجتماع في الاتجاه الذي يعيد مبادرة بارزاني  إلى إطارها الصحيح ، والى القيم والمفاهيم التي انطلقت منها ، من حيث هي توجه لتكريس المبادئ الديمقراطية لدولة المؤسسات والحريات وحقوق الإنسان.... الدولة المدنية، دولة المواطنة الحرة. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram