TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:مبادرة بارزاني المجْهَضَة،ودعوة الطالباني:علاوي والمعارضة الملتبسة..

الافتتاحية:مبادرة بارزاني المجْهَضَة،ودعوة الطالباني:علاوي والمعارضة الملتبسة..

نشر في: 21 يونيو, 2011: 10:32 م

فخري كريم

(2)

لا يمكن البحث في أسباب الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد ومظاهرها، في جانبيها الحكومي والشعبي،

بالتركيز فقط على الخلل الجدي المرضي للأداء الحكومي وعلى المفاهيم الخاطئة التي يجري الاستناد إليها في قيادة الحكومة والدولة، دون الكشف عن الخلل الذي تعاني منه والتعويقات المعرضة لها من داخل الحكومة ومن المشاركين الأساسيين فيها،

والمشاركين مع أطرافها في العملية السياسية نفسها.. إضافة (وهذه الإضافة قد تكون في لب المشكلة وجوهرها) إلى أن المشكلة بالأساس هي مشكلة بنيوية لها صلة  بأخطاء أساسات العمل، وهي أخطاء من المؤسف أنها اتخذت طابعا دستوريا وتشريعيا.

يشير الاستقطاب السياسي الحالي إلى طرفين معنيين بالأزمة ومسؤولين عن استمرارها وتصعيدها بين آونة وأخرى، وهما دولة القانون التي تقود الحكومة وائتلاف العراقية التي تتمثل فيها بالدرجة الثانية، كما أن التراشق بعناصر الأزمة يدور بين قطبيها، المالكي وعلاوي.

 وفي هذه المواجهة، تُغيّب أو يجري التمويه على المضامين الجوهرية للصراع، ويُكتفى أحياناً بالتعرض الجانبي لبعضها، مع أن الالتباس يظل ملازماً لها.

إن غياب الشراكة الحقيقية بين فرقاء الحكومة، مع ما يتداعى عن هذا الغياب، من انفراد وهيمنة وإقصاء وتعثر، يمكن أن تساق يومياً، لكن ما يجري تسليط الأضواء عليه غالباً لا يعالج الخلل في المشاركة، وإنما يكرس المطالبة باحتكارٍ مقابل لمركز القرار دون مسوغ دستوري، بل يضفي، بتأكيد هذه المطالبة التي تتخذ طابع نزوع مثير للشكوك، الشرعية على آليات الانفراد والاستثناء بمراكز القرار في مواجهة التهديد المستمر بكسر التوازن وضعضعة العملية السياسية والإبقاء على الأزمة وتغذيتها.

 وإذا أخذنا بالاعتبار، على سبيل المثال، الإشكالية المتعلقة بالمجلس الوطني للسياسات العليا، والمطالبة المشروعة للعراقية بالإيفاء به كاستحقاق أكدت الالتزام به مبادرة بارزاني بالإطار العام، فان أحداً من القادة المشاركين في اجتماعات المبادرة لم يوافق على مفهوم قادة العراقية لطبيعة المجلس وصلاحياته والتفاصيل التي تجعل من المسؤول عنه، سواء اتخذ صفة رئيس أو أمين عام، "رئيساً للرؤساء" و "مركزاً قيادي" آخر فوق الرئاسات الثلاث الدستورية في البلاد. كما لم يكن مقبولاً بصفة عامة التعامل مع هذا المجلس، وهو مؤقت لدورة واحدة، فُصِّل على قياس الدكتور علاوي، إرضاءً له ولكتلته، ومحاولة لمشاركته من هذا الموقع في العمل القيادي الحكومي بهدف إغنائه بما يستطيع، وخلق توازن "نفسي" يجنب العملية السياسية ما يؤدي إلى توتيرها دون أساس موضوعي.

وتظل هذه الإشكالية قابلة للحل، إذا ما عولجت مصادر الأزمة الشائكة، وجرى التفاهم بين المتحاورين ببالونات الاختبار المكشوفة، حول القضايا الأساسية التي تثير الشكوك والهواجس، وتؤدي إلى مزيدٍ من محاولات الانفراد والتحكم، ما دام كل طرف يرى في الآخر، "مشروع عدوٍ كامن متربص". ينتظر الفرصة المواتية للانقضاض على السلطة والانفراد بها.

ولهذه الشكوك والهواجس أساس، تكشف عنه وتؤكده العراقية جهاراً وتطويه مضمرا، في ما تعبر عنه من توجهاتٍ ومطالب لا يؤدي بالنسبة لبعضها سوى إلى مزيدٍ من أضعاف مواقفها والطعن بمصداقيتها وإثارة الالتباس في هويتها الحقيقية.

فـ"الهوية الوطنية" التي أعلنها ائتلاف العراقية في الحملة الانتخابية، لم تصمد طويلاً أمام الاستحقاقات الانتخابية، وحتى في المباحثات القيادية التي جرت في إطار مبادرة الرئيس بارزاني، إذ تكشف بوضوح عن تمثيلها بامتياز لطائفة بعينها، وهو ما يضعها في دائرة المحاصصة الطائفية التي تبدي امتعاضها منها ورفضها اللفظي له، كنهج وخيارٍ وسياساتٍ وتكويناتٍ واستقطاب. إن توزيع المسؤوليات في المواقع السيادية والوزارات، والمطالبات المتعلقة بـ"التوازن الطائفي" والمناهج الدراسية وغيرها لا يحتاج إلى جدلٍ عقيم حولها باعتبارها تشويها وتعريضا، فليس في إيرادها شيء من ذلك.

وتبرز في هذا السياق الاتهامات للآخر بالخضوع للأجنبي ورسم سياساته بوحي من مصالحه، والمقصود بالأجنبي إيران وليس غيرها، وهنا لا أريد تزكية احدٍ من الارتباط أو الميل أو الانتساب لهذا الأجنبي. وتُكال التهم بدور إيران في ممارسة الضغط على الأطراف الشيعية بالانخراط في الحكومة ودفعها لخياراتٍ معينة دون غيرها. لكن السيد علاوي إذ يردد ذلك دوماً، باعتباره "عيباً وطنياً ومثلبةً"، يرفض التوقف عند الدور الخارجي الذي خضعت له العراقية في "تكوينها"، وهو ما فضحه وزير الخارجية التركي، معتبراً إياه انجازاً وليس مثلبةً، حين أشار إلى أن العراقية، كما أصبحت عليه "صنع" في بيته وليس في مكان آخر. ولن أورد هنا، أدواراً عربية ممتدة من المحيط إلى الخليج، مروراً بقطر والسعودية والأردن وسوريا ومصر وغيرها من الدول العربية، لان هذه البلدان "شقيقة" ومن حقها التصرف ببلدنا دون حرج، ما دمنا نتجنب التدخل في شؤونها الداخلية.! فهل أن تركيا هي دولة "شقيقة" أيضاً لا يطال التعامل معها، ما يطال التعامل مع إيران.؟

وللتدخل الخارجي أوجه أخرى، تحدث عنها فاعلون في العراقية، اختاروا الانسلاخ عنها، لاتهم اكتشفوا أن عناصر من رجال الأعمال المرتبطين بالأجهزة المخابراتية العربية والإقليمية كانت لهم دالةٌ في تشكيل ائتلاف العراقية وتمويلها "بالنيابة" وما زالوا يمارسون ذات الدور حتى الآن، ومن ذلك إجراء اصطفافاتٍ جديدةٍ تؤدي إلى المزيد من الانسلاخات المعلنة والمضمرة في كيان ائتلاف العراقية، ومنها ما يهدف إلى عزل إياد علاوي وإقصائه عن دوره القيادي، بعد أن امّن الجميع مواقع لهم في قوام الدولة.

وإذا تجاوزنا هذا كله، يبقى السؤال المحير، الذي يثير الشكوك والالتباس العميق، حول الهوية السياسية الفكرية للدكتور علاوي والعراقية، وما هي علاقتهما بالبعث، وأين هي الخطوط الفاصلة بينهم. وأنا أريد التأكيد هنا بان علاوي قد انفصل عن البعث منذ ثلاثة عقود ونيف، وأشك في أن أياً من البعثين، الصدامي أو الآخر يقبل بإعادته إلى صفوف البعث، دون أن أُسقط من الحساب، في الحياة السياسية احتمالات التعاون أو التنسيق بين هذا الطرف أو ذاك، كما تفعل الحكومة مثلاً حينما، تضع عشرات البعثيين المشمولين بالاجتثاث في اخطر المراكز الأمنية والعسكرية.

وإذا لم تكن هوية العراقية تنطوي على تعاطف مع البعث، وإذا لم يكن قياديوها على علاقة بالبعث، واغلبهم من الإسلاميين المنسلخين عن تنظيماتهم الإخوانية أو ما يشبهها، فلماذا تظل المطالبة المتكررة على مختلف المستويات بإلغاء أي إجراء ضد أزلام النظام السابق، دون استثناء احدٍ كما يعلن البعض، واعتبار التخلي عن المساءلة والعدالة بأقرب وقت شرطاً ملزماً لتطبيع الوضع؟ وهنا لابد من التأكيد على ضرورة اتخاذ كل ما من شأنه إنهاء الملاحقات ضد المواطنين ممن وجدوا أنفسهم على مقربة من النظام أو في إطار البعث، بدوافع مختلفة غير الإيمان أو القناعة والانحياز، وقد وجدوا في إسقاط الدكتاتورية أملاً في الخلاص من الكوارث التي لاحقتهم طوال عقود تسلط الاستبداد والأنظمة الدكتاتورية على مقدرات العراق ومقدراتهم الإنسانية. لكن مثل هذا الموقف لا يحول جهة سياسية إلى ممثل للبعث ومطالبٍ بإنهاء أي مساءلة عنه وأعضائه.

إن التوجه لتصحيح مسار العملية السياسية، وإرساء الأسس الكفيلة باستكمال الدولة المدنية المبنية على قاعدة دولة المؤسسات والقانون والعدالة والمساواة، دولة المواطنة الكفيلة بإنهاء "حجر" الطائفية والمحاصصة الذميمة، تتطلب تصحيح مسارات القوى المعنية بهذا التوجه، وإزالة الالتباس وخلط الأوراق بينها وبين القوى المتربصة بالنظام الديمقراطي.. إن ما نريده لتلك القوى وحتى تكون مقنعة في ما تتبناه من تلك الشعارات هو نزوع ايجابي يحقق لنا القامة الوطنية والإنسانية التي يستحقها شعبنا بعد طول معاناة.

في أساس هذا تبدو العراقية مطالبة بأن تنهي أي التباس حول "هويتها" عابرة الطوائف، وانحيازها الى النهج الذي يفضي الى بناء علاقاتٍ في إطار الدولة الديمقراطية وتداول السلطة وفقاً لآلياتها، ورفض أي دعوات توحي بالرغبة في استبدال هيمنةٍ بغيرها وانفرادٍ ببديل مشابه ونزوع نحو تسلطٍ وإقصاء للآخر بدعوى الاستحقاق.

وفي مثل هذه المساعي والحلول نكون قد توفرنا على حلول مرحلية لعبور مرحلي للأزمة.. فيما يتطلب الأفق عملا حثيثا ومخلصا ومسؤولا للنظر إلى المستقبل وتهيئة المستلزمات التشريعية والقانونية التي تجعل العبور إلى ذلك المستقبل متحررا من الأزمات التي نصادفها الآن والتي نتفنن أيضا في صنعها.

إن المستقبل مسؤولية قد تكون أخطر من معالجة مطبات الراهن، إذا لم يكن التداخل بين الاثنين هو تداخل جوهري وبنيوي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram