حسين علي الحمداني حالتان لازمتا العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، الأولى التوافق والثانية الأزمة، ولا يمكن لنا أن نتجاهل هذا مطلقاً على اعتبار إن العملية السياسية في البلد ارتكزت على التوافقية بوقت مبكر جدا، وكلاهما تنتج الأخرى ، فالتوافق ينتج أزمة في مرحلة من مراحله ، والأزمة في حلولها تنتج التوافقات،هذا المشهد تكرر أكثـر
من مرة ليس في تشكيل الحكومات العراقية فقط بل حتى في إقرار الكثير من القوانين وما زلنا نذكر أزمة قانون الانتخابات وما شكله من أزمة كبيرة أثرت كثيراً حتى على موعد الانتخابات نفسها .واليوم نعيش أجواء أزمة سياسية ينظر إليها الجميع من زوايا عديدة ، ولكي نكون أكثر صراحة في تناولنا لها فإننا نقول بأن الأزمة الحالية تختلف عن الأزمات السابقة التي مرت بها العملية السياسية في البلد وأقلها خطورة ، ومبعث هذا الاختلاف يكمن بأنها أزمة داخلية وجاءت بوقت يسمح كثيراً بتجاوزها أو تجاهلها ،وهذا ما دفع بقوى سياسية كالتحالف الوطني لأن يطرح مشروع حكومة الأغلبية السياسية ، هذا المشروع الذي سبق وأن طرح قبيل الانتخابات من قبل دولة القانون وسعيه لحكومة الأغلبية ولكن جاءت النتائج بخارطة برلمانية مغايرة تماما وأجبرت كل الأطراف على تشكيل حكومة الشراكة الوطنية .وعندما نقول بأن الأزمة الحالية هي الأقل خطورة على العملية السياسية في البلد إنما لنؤكد أن أقصى تداعيات سلبية ممكن أن تحصل تتمثل بانسحاب أحد الأطراف وأخذه دور المعارضة البرلمانية ، وهذا إن حصل فإنه يصب في صالح العملية الديمقراطية من خلال وجود معارضة قوية داخل البرلمان ويؤمن في نفس الوقت حكومة هي الأخرى أكثر قوة مما هي الآن ، وبالتالي يمكننا القول بأن ثمة تصحيحاً للديمقراطية في البلد ممكن أن يحصل . ولكن هل سيحصل هذا ؟ هل ستفرّط بعض القوى بمكاسبها في السلطة التنفيذية من أجل أن تأخذ دور المعارضة ؟ بالطبع لا يمكننا أن نتخيل شخصاً يشغل منصب وزير أو نائب رئيس جمهورية أو نائب رئيس وزراء يتخلى عن منصبه الذي ( كافح واستقتل ) في سبيله من أجل أن يأخذ دور (المعارضة)، ونحن هنا نتحدث ولدينا شواهد ماثلة أمامنا ، في الجمعية العامة عام 2005 لم ينسحب رئيس الجمعية حاجم الحسني رغم انسحاب قائمته ، وتكرر هذا في الحكومة السابقة مع وزير التخطيط علي بابان ،وبغض النظر عن مدى إيجابية هذا إلا أنه يؤكد حقيقية مهمة بأن العملية السياسية في البلد تسير وفق قرارات ارتجالية وليست ثمة قواسم مشتركة داخل الكتلة الواحدة وليس هنالك قرارات ملزمة لأحد ، وبالتالي فإننا لا يمكن أن نجد من يرغب بممارسة دور المعارضة ،ثم إن الأزمة الحالية كما قلنا أزمة داخلية لا أجندات خارجية تقف وراءها بدليل إنها لم تثر على مستوى الإعلام العربي في ظل تراجع أخبار العراق بصورة عامة عن المشهد الفضائي العربي وسط موجة الثورات المسيطرة على الفضائيات العربية والعالمية منذ أشهر . وبالتالي فإن عامل الوقت لم يكن في صالح من يثير هذه الأزمة أو يحاول أن يجعل منها قضية تشغل الرأي العام العراقي خاصة وإنها جاءت متزامنة مع انتهاء مهلة المئة يوم التي حددتها الحكومة في 27 شباط الماضي ، لهذا فإن المواطن العربي يجد أن صناعة أزمة سياسية في العراق سهل جداً على شركاء العملية السياسية ، خاصة وإن الغاية من هذه الأزمة ليس خدمة الشعب العراقي كما يروج في البيانات والخطابات بقدر ما هي حالة إفلاس سياسي واضحة جدا ، وهذا الإفلاس ليس محصوراً بهذه القائمة أو تلك بل يشمل الجميع ، لأن الجميع في الحكومة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخرجوا من أزمة الخدمات سواء في الصحة أو الكهرباء أو البنى التحتية أو حتى حالات الفساد وتزايد العمليات الإرهابية النوعية كما حصل في الديوانية يوم الثلاثاء 21/6 وقبله في صلاح الدين والأنبار وديالى إلا بافتعال أزمة من أجل مزيد من التوافقات خاصة وإن ثمة ثلاث حقائب وزارية مهمة جداً مازالت في ملعب الشراكة تنتظر الحسم النهائي بالتوافق الذي اعتدناه وبات عرفاً عراقياً .
التوافق وإنتاج الأزمات
نشر في: 22 يونيو, 2011: 08:03 م