اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أزمة المثقف العربي بين الموروث والاغتراب

أزمة المثقف العربي بين الموروث والاغتراب

نشر في: 24 يونيو, 2011: 06:09 م

سلوى جراح حين يصبح المسافر مغترباً بمجرد وصوله إلى بلد ما، يراجع مرات ومرات كل ما كان يمكن أن يحمله معه مما ارتبط بذكرياته في الوطن، الصور والكتب والتذكارات الصغيرة.  لكن ثمة الملايين ممن غتربوا حول العالم، لم يحزموا الحقائب ولم ينتقوا ولو صورة من الماضي.  فر منهم من فر هرباً وخوفاً، أو وجدوا أنفسهم على حدود الأوطان مرغمين على الرحيل ولكنهم جميعاً، سواء أحزموا الحقائب أو لم يحزموها، يحملون معهم شيئاً،
 لا فكاك منه، موروثهم الفكري والثقافي الذي يظل يثقل كاهلهم طوال سنين غربتهم، خاصة من راكموا منه كماً لا يستهان به، يحملونه معهم سنين عمرهم، أينما ذهبوا، ويموتون وهو لم يزل لم يفارقهم.في لندن عدد هائل من العراقيين من أصحاب الفكر والثقافة المتراكمة، شعراء وكتاب، يدورون بين كلماتهم وإبداعهم الادبي والفكري، يجترون ما يكتبون، ويعيشون في عالمهم الخاص الصغير وكثيراً ما لا يجدون من يقاسمهم همومهم الفكرية.  وأحياناً تتعاظم بينهم روح المنافسة حتى ليكاد أحدهم لا يعطي الآخر حق قدره.  بل قد يسقط أحدهم كل همومه على غيره من المبدعين، عله يخفف ما به من خيبة أمل.  جمهورهم صغير ومحدود، وجوه تتكرر في كل الأماسي والقراءات الشعرية والأعمال المسرحية والمحاضرات، وسعيد الحظ منهم من ينشر رواية أو دراسة أو ديوان شعر.  مشكلتهم الحقيقية أن من يقرأون نتاجهم، هذا إن قرأوه، بعيدون في أرض بعيدة.  أما مجتمعهم الجديد، مهما طال بهم العيش فيه، فلا يتعامل مع اللغة التي يقدمون بها نتاجهم الأدبي والفكري.  البريطانيون يقرأون بالإنكليزية ومن لا يكتب بها لا يكون جزءاً من الحياة الثقافية البريطانية.  وموضوع الترجمة معقد إلى حد بعيد، فدور النشر الغربية دقيقة جداً، وحذرة جداً في اختيار ما تترجم من اعمال من اللغة العربية.  وهناك عامل مهم آخر هو العلاقات العامة: من تعرف ومن يعرفك؟  أما أن يدفع الكاتب كلفة الترجمة والطبع على حسابه الخاص وهو ما يفعله كثيرون، فمسألة فوق طاقة معظم المبدعين من الكتاب والشعراء العراقيين في لندن. العديد من المبدعين الذين تركوا الاوطان وجدوا الحل في الكتابة بلغة البلد الذي لجأوا إليه ولعل جوزيف كونراد 1927-1857 هو أول من يتبادر إلى الذهن.  فجوزيف كونراد الذي يعتبر من أهم الروائيين البريطانيين، هو من أصل بولندي جاء إلى بريطانيا وهو في الحادية والعشرين من عمره ولم يكن يتكلم الإنكليزية.  كان يجيد لغته الأم، البولندية وكذلك الفرنسية، لأنه عاش وعمل في فرنسا بعد وفاة والديه وهو مازال شاباً صغيراً، وبدأ يتعلم الإنكليزية من البحارة الذين عمل معهم على متن سفن التجارة البحرية.  يقول النقاد إن كونراد الذي ترك أكثر من عشرين رواية، تحول العديد منها إلى أفلام سينمائية، وعشرات القصص القصيرة، كان يعتبر اللغة الإنكليزية لغته الثالثة وظل طوال عمره يتكلم بإنكليزية فيها لكنة بولندية.  لكن كونراد ترك بصمة مهمة في تاريخ الأدب الإنكليزي في زمن ازدهار الإمبراطورية وجعل محورها البحر والناس البسطاء.  نشر جوزيف كونراد روايته الأولى بعد سبعة عشر عاماً من العمل في سفن التجارة البحرية البريطانية.  ثم توالت الروايات على مدى ثلاثين عاماً حتى وفاته، وترك رواية لم يتمكن من إكمالها نشرت ناقصة تحية لذكراه تحمل عنواناً غريباً  Suspense A Napoleonic Novel  إثارة رواية نابليونية.  ترى لو كتب كونراد رواياته بالبولندية هل كانت ستثير كل هذا الاهتمام؟  وهل ستترجم الى لغات أخرى؟ ربما لكن تجربة كونراد الأدبية تطورت مع العيش في بريطانيا وكتب بالإنكليزية.  بالمقابل هناك الكتاب الكبار من أمريكا اللاتينية كتبوا بلغاتهم الأم وترجمت اعمالهم إلى كل لغات العالم.  غابرييل غارسيا ماركيز أحد أهم روائي القرن العشرين اكتسحت رواياته العالم وعبرت كل حدود اللغة لكنه ظل يعيش بين بلده الأصلي وإسبانيا، أي أنه ظل بين الناطقين بلغته الإسبانية.  اليوم العالم كله يعرف ماركيز ويقرأ أعماله.  هل معنى ذلك أن المبدع يجب أن يعيش بين الناطقين باللغة التي يكتب بها كي ينتشر نتاجه؟ في العالم اليوم جيل جديد من الشبان الذين عاشوا في المنافي وتلقوا تعليمهم فيها ومع ذلك ظلوا على تواصل وثيق مع ثقافتهم، بل وأعادوا اكتشافها، ليقدموها في أعمال أدبية للعالم بلغة بلدان تبعد آلاف الأميال عن أوطانهم.  كلنا يذكر الفيلم السينمائي الجميل: عداء الطيارة الورقية Kite Runner المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الأفغاني خالد حسيني.  وخالد حسيني هو من الجيل الثاني من المهاجرين من الاوطان، لأبوين أفغانيين، عمل أبوه في السلك الدبلوماسي في باريس.  وحين غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان طلب اللجوء السياسي للولايات المتحدة الامريكية.  كان خالد في الخامسة عشرة من عمره حين ذهب ليعيش في كاليفورنيا حيث درس وتخرج من الجامعة طبيباً عام 1993  بعدها بدأ يكتب روايته الاولى التي تدور أحداثها في افغانستان وأصبح بين ليلة وضحاها من أشهر الكتاب.  حكى للعالم معاناة شعبه، وروى ما يحدث ل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram